Page 93 - m
P. 93

‫‪91‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة في اليمن‬

                           ‫فاطمة الشرنوبي‬

                    ‫مقابلة وظيفية‬

 ‫للجريدة‪ ،‬لمحت خيوط العنكبوت السابحة في زاوية‬               ‫كان صباح جمعة وكان يو ًما غائ ًما ينذر بشلالات‬
     ‫السقف قبالتها وعلمت أن اسم الجريدة ضر ٌب‬               ‫مطر هائجة ستفتح في سماء المدينة‪ ،‬وكانت رقية‬
    ‫من الغ ِّش والنفاق‪ ،‬وأن القائمين عليها حفنة من‬         ‫تتذكر تلك اللحظات الفارقة في حياتها منذ ما يزيد‬
    ‫الن َّصابين‪ ،‬ثم سري ًعا ما ن َّفضت تلك الأفكار عن‬         ‫عن عام عندما دلفت لأول مرة إلى مكتب حددت‬
      ‫رأسها‪ ،‬أرادت أن ُتخرج مرآتها الصغيرة من‬
                                                                ‫عنوانه مكالمة هاتفية تخبرها بأن لديها مقابلة‬
 ‫الحقيبة لتتأكد أن شفتيها لا زالتا تحتفظان باللون‬          ‫شخصية للعمل لدى إحدى الصحف القومية‪ ،‬بناية‬
    ‫الأحمر الفاقع الذي وضعته على عجل في مدخل‬
                                                              ‫قديمة في وسط المدينة بأسقف شاهقة الارتفاع‬
‫البناية قبل صعودها مباشرة على السلالم الرخامية‪،‬‬                 ‫ونوافذ أراييسك بطول الجدران‪ ،‬صعدت على‬
     ‫ولكن يديها المرتجفتين لم تسعفاها‪ ،‬تناهى إلى‬
                                                              ‫السلالم الرخامية المتلونة بالأبيض والأسود إلى‬
  ‫سمعها أصوات متداخلة من إحدى الغرفتين حتى‬                   ‫الطابق الثالث‪ ،‬مرت على مكاتب محاماة ومكاتب‬
    ‫اقتلعها صوت نسائي ناعم لتتفضل إلى المقابلة‪،‬‬             ‫تسويق عقارية‪ ،‬لم يسعفها القلق على إلقاء التحية‬
      ‫دلفت إلى غرفة بإضاءة خافتة ونافذة موارب‬              ‫وهي تدلف إلى مقر الجريدة التي ُكتب على يافطتها‬

‫شيشها ومكتب ضخم قديم يتوسطه ر ُجل يبدو في‬                        ‫المعلقة بجانب الباب بالخط الكوفي «الجديد»‪،‬‬
  ‫عقده الرابع بصلعة لامعة في مقدمة رأسه وبوجه‬               ‫سألتها فتاة بجسد نحيل وعينين بنيتين غائرتين‬
 ‫جامد ُرسمت عليه ابتسامة لزجة‪ ،‬أمسك بورقة في‬
  ‫ك ٍّف وأخذ ينقر على سطح المكتب بالك ِّف الأخرى‪،‬‬             ‫إن كان لديها ميعاد مسبق‪ ،‬فهزت رأسها بنعم‪،‬‬
 ‫كانت عيناه تتنقلان بين وجهها وبين الورقة‪ ،‬حتى‬               ‫أشارت إليها بالانتظار واختفت بالداخل‪ ،‬جلست‬
  ‫خرج صوته الأجش فجأة ليسألها السؤال الأكثر‬                   ‫على مقعد خشبي غير متَّزن قبالة مكتب خشبي‬
  ‫حماقة في المقابلات الوظيفية «لماذا نحن؟»‪ ،‬وهكذا‬          ‫يتوسطه مقعد جلدي ُم ْه َت ِرئ‪ ،‬كانت اهتزازاته يمينًا‬
  ‫بدأت المقابلة و َس َلكت رقية طري ًقا جدي ًدا بعي ًدا عن‬    ‫ويسا ًرا تزيد من توترها‪ ،‬وما قد زاد من رجفتها‬
  ‫البيت والمدرسة والجامعة وإنما طري ًقا غائ ًرا تع ُّج‬       ‫البرد القارس‪ ،‬فأخذت تفرك يديها المتجمدتين في‬
                                                           ‫بعضهما‪ ،‬كانت هناك طاولة بسطح زجاجي مترب‬
              ‫فيه تنانين الغ ِّش والكذب والاحتيال‪.‬‬
                                                                ‫تتوسط الغرفة مل ًقى عليها إصدارات متفاوتة‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98