Page 87 - m
P. 87
85 إبداع ومبدعون
القصة في اليمن
أطرافي .كحقيبة سفر برحت مكاني مدة ليست صعبًا ،غير أني قاومت حتى وصلت إلى الدولاب
بالقصيرة .مرت بذهني ذكريات من الماضي ففتحت بابه بقوة ،وصرت أنثر ما فيه من ثياب،
ووسط هذياني لم أكن أتحقق مما كان يقع منها.
وبالخصوص من سنوات زواجي الأولى ،وبعدها
لم أعد أرى إلا السواد وكأني كنت أرى فيل ًما فتحت جهة ملابس زوجتي ،وربما كانت لأول
تلفز ًّيا ثم انقطع البث فجأة .وأنا كذلك إذ بي ٍد مرة في حياتي ،أخذت أنفض ما فيها من ملابس
وأرجعها مجاه ًدا نفسي إلى مكانها .وفي لحظة ،وقع
تر ُّجني وصوت يصيح بي« :ماذا بك؟ ما حل بك بصري على علبة فضية ،فهي حسب معرفتي ،كانت
في غيابي؟» ،رفعت عيني لأرى من كانت تهزني خاصة بمجوهرات الزوجة .هممت بكسرها لكني
كي أفيق .أردت أن أثور في وجهها لكني تراجعت تراجعت لبرهة ،ودون شعور اندفعت وكسرتها
من ضعف قوتي وانصعت لها وهي تساعدني أخي ًرا .تفاجأت بكونها لا تضم مجوهرات كثيرة،
على النهوض ،فأقعدتني على أريكة جانب السرير،
أسرعت إلى الصيدلية المنزلية وأحضرت الكحول لم يكن بها سوى سلسلة ذهبية رقيقة وبعض
ونظفت جرحي ،أبدلت منامتي وكل هذا وأنا صامت خواتم وأوراق .أخذ جسمي يرشح عر ًقا بار ًدا ،وأنا
وكأني ابتلعت لساني ،فيما ظلت هي تسأل ماذا
جرى لي حتى قمت بكل تلك الفوضى ،تشجعت أمسحه بطرف كم منامتي ،ارتفعت بشدة درجة
حرارتي .وأنا أتحسس أوراق العلبة ،انهار جسمي
أخي ًرا وصرخت« :قولي أنت ماذا تخفين عني، وغرهاومييةتقعدليىمةر.كبتص َّيرخعنتدمفايتأأعكمداقتيأ:نه«اككمانكنتتخمطغابفاًلت
ومنذ متى وأنت تدخنين؟» .انفجرت هي ضاحكة
مما زادني حن ًقا ،ثم أردفت قائلة بهدوء« :أنا لم طوال هذه السنين يا وائل!».
أدخن أبدا في حياتي ،»..قاطعتها منتف ًضا« :وعلبة كان بودي أن أصرخ بملء صوتي وأحطم جميع
ما في البيت ،أو أوقد النار فيه وأهرع إلى أي مكا ٍن
الحبوب المساعدة على الاقلاع عن التدخين لمن قص ٍّي في الدنيا لا يعرفني فيه أحد ،لكني تريثت
هي؟» ،أجابتني بنفس الهدوء« :لك أنت» ،وهبت إلى
الدولاب وأتت بألبوم الصور ،وقالت« :أنظر ،ألست ليس من نفسي بل لإحساسي بالغثيان .تثاقل
جسمي وخارت قواي ولم أعد أقوى على تحريك
أنت؟» ،كان شخص ما يبدو في الصورة ماس ًكا
سيجارة ويدخن .استغربت وغيرت الموضوع
قائ ًل« :والرسائل ،لمن هي؟» ،ضحكت وأجابتني
بنفس الهدوء وقد التقطت رسالة من تلك الرسائل
التي بقيت ملقاة على السجاد« :لك أنت ،أنت الذي
أرسلتها لي وأنت في المهجر ،انظر أليس توقيعك
هذا؟ لا زلت أحتفظ برسائلك كل هذا العمر فهي
كل مجوهراتي عزيزي» .أحسست بحرج ،وأردت
أن أقول شيئًا آخر لكن هربت مني الكلمات ،فيما
أضافت هي« :أنت بحاجة إلى الراحة يا زوجي ،لديك
حالة تقريبًا نادرة من فقدان الذاكرة ،وكما قال لنا
الدكتور المعالج حالتك هي حالة النسيان الشامل
العابر وسببها انتشار تلف دماغي .فقط عليك
بالراحة وستصير بأحسن حال ،هيا استلق ونم
قرير العين ،سأتركك فلدي عمل كثير بالمطبخ».
تظاهرت بالنوم ،وفي لحظة فتحت عيني ،متسائ ًل
في حيرة« :من كانت تكلمني؟!».