Page 272 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 272

‫تعميقها إذ تدفع البعض إلى تفسير‬        ‫مما يستلفت الانتباه هو الاهتمام‬
   ‫المعلومات بشكل انتقائي متحيز‬             ‫العربي الكبير الذي حظيت به‬
  ‫يدعم مواقفهم الفكرية والأخلاقية‬
    ‫في حين يتجاهلون أو لا يولون‬         ‫الأحداث على المستويين الإعلامي‬
      ‫انتبا ًها مماث ًل للمعلومات التي‬   ‫والشعبي‪ ،‬الأمر الذي يدفعنا إلى‬

 ‫تناقض يقينياتهم ورؤاهم الراسخة‬            ‫التساؤل عن الدافع الذي يدفع‬
  ‫مما يصعب الحوار ويع ّقد محاولة‬        ‫الشعوب العربية إلى التركيز على‬

    ‫تسوية الخلافات بشكل توافقي‬               ‫الأحداث العنصرية في أمريكا‬
     ‫يضمن الحرية الفكرية للجميع‬             ‫والغرب وإغفالها في بلادهم!‬

        ‫ويحقق التوازن المجتمعي‪.‬‬           ‫المغدورة وتجعل المصالحة بين‬                 ‫السوداء على يد بعض رجال‬
       ‫مما يستلفت الانتباه كذلك‬         ‫أطياف المجتمع شبه مستحيلة‪ ،‬هذا‬              ‫الشرطة منذرا بانتفاضة شعبية‬
    ‫هو الاهتمام العربي الكبير الذي‬                                               ‫تواصلت اصداؤها في جميع أنحاء‬
 ‫حظيت به الأحداث على المستويين‬            ‫بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية‬       ‫العالم‪ .‬بدأت المظاهرات باحتجاجات‬
    ‫الإعلامي والشعبي‪ ،‬الأمر الذي‬         ‫لإصلاح ما تم تخريبه والتي تثقل‬
     ‫يدفعنا إلى التساؤل عن الدافع‬         ‫كاهل الجميع ‪ -‬الفقراء على وجه‬              ‫سلمية ثم تحولت بعد ساعات‬
    ‫الذي يدفع الشعوب العربية إلى‬         ‫الخصوص‪ .‬كذلك يرى البعض أن‬                 ‫إلى سرقات وأعمال شغب تتسم‬
    ‫التركيز على الأحداث العنصرية‬         ‫وراء هذا العنف فئة من المنتفعين‬
    ‫في أمريكا والغرب وإغفالها في‬        ‫الذين يسعون إلى تسييس الأحداث‬                        ‫بالممارسات العنفية‪.‬‬
   ‫بلادهم‪ .‬ففي الوقت الذي تتص َّدر‬        ‫وزرع الكراهية بين فئات الشعب‬             ‫الانتفاضة اشتعلت أي ًضا على‬
      ‫فيه العديد من البلدان العربية‬                                             ‫مواقع التواصل الاجتماعي واشتبك‬
   ‫قوائم الدول الأكثر عنصرية على‬               ‫وجعل البلاد ساحة للتناحر‬          ‫فيها المتابعون الذين انقسموا إلى‬
‫مستوى العالم‪ ،‬على رأسها ‪-‬بحسب‬              ‫والاقتتال وتقسيم المجتمع على‬         ‫قسمين؛ قسم يحلل العنف باعتباره‬
  ‫الاحصائيات‪ -‬مصر ولبنان وليبيا‬                                                     ‫نتيجة طبيعية للتجمهر لا يمكن‬
 ‫والبحرين‪ ،‬نجد البعض في تناقض‬                ‫أساس هوياتي من أجل إعادة‬            ‫تفاديها ويرى كذلك أن المظاهرات‬
 ‫صارخ يشجب العنصرية الأمريكية‬           ‫هندسة المشهد السياسي وخاصة‬              ‫السلمية لا ُتحدث تأثيرا على أرض‬
‫ويشارك بحماسة بالغة في الدعوات‬          ‫ونحن على أعتاب انتخابات رئاسية‬          ‫الواقع وأنه لا يمكن إحراز أي نوع‬
 ‫المطالبة بتحقيق المساواة والعدالة‬                                                 ‫من أنواع المكتسبات السياسية‬
   ‫الاجتماعية هناك ويتغنى بالأمان‬                               ‫وشيكة‪.‬‬              ‫بغير عنف لأن الحكومات عادة‬
     ‫و السلم الأجتماعي الذي ينعم‬         ‫لا شك في أن كلا الطرفين يقدم‬              ‫لا تستجيب لمطالب المتظاهرين‬
     ‫به في بلاده مقارنة بما تعيشه‬                                                  ‫إلا إذا تعرضت لتهديد وتخريب‬
     ‫الأقليات في الولايات المتحدة‪.‬‬         ‫طر ًحا منطقيًّا له وجاهته وجدي ًرا‬   ‫وأعمال شغب من هذا النوع‪ ،‬وقسم‬
‫البعض أي ًضا تناول الأحداث بابتهاج‬          ‫بالنقاش وليس من العسير على‬          ‫آخر ‪-‬وهذا أنتمي له‪ -‬يدين العنف‬
  ‫وشماتة متمنيا سقوط أكبر القوى‬           ‫أي مراقب لهذا الموقف الجدلي أن‬           ‫ويراه سلا ًحا أخرق يخلق مزي ًدا‬
‫الرأسمالية العالمية معتبرا أن أعمال‬         ‫يستنتج أي الفريقين ينتمي إلى‬         ‫من المشاكل بد ًل من إيجاد حلول‬
   ‫العنف والتخريب هناك هي عقاب‬          ‫اليسار وأيهما ينتمي إلى اليمين لكن‬      ‫ويخلف وراءه مرارة وأحقا ًدا تعمق‬
  ‫إلهي للغرب الكافر بسبب معاداته‬        ‫المشكلة تكمن في حدة الاستقطابات‬          ‫الإحساس بالمظلومية لدى الفئات‬
 ‫للإسلام والمسلمين‪ .‬من المؤكد أن‬          ‫والتجاذبات الصراعية التي تغذيها‬
 ‫الشحذ الديني القومي الذي اشتغل‬              ‫الانتماءات الحزبية والتي تلعب‬
    ‫على العقل العربي لعقود طويلة‬        ‫الانحيازات التأكيدية دو ًرا كبي ًرا في‬
   267   268   269   270   271   272   273   274   275   276