Page 204 - merit 43- july 2022
P. 204

‫العـدد ‪43‬‬                              ‫‪202‬‬

                                 ‫يوليو ‪٢٠٢2‬‬                        ‫سبعينيات القرن العشرين‪،‬‬
                                                                  ‫لكن أن يحدث في عشرينيات‬
 ‫ودوستويفسكي وتولستوي‬                ‫السياق العام للرأسمالية‬
   ‫وجوركي وسولجينيتسين‬               ‫التي تعتبر روسيا جز ًءا‬         ‫القرن الواحد والعشرين‪،‬‬
       ‫ومارينا تسفتايفا وآ َّنا‬      ‫منها‪ ،‬بل الجزء المتوحش‬              ‫فالأمر غريب نسبيا‪.‬‬
                                 ‫والبدائي‪ .‬ولكن السحر انقلب‬
 ‫أخماتوفا ومايا بليسيتسكايا‬      ‫على الساحر‪ ،‬وبدأت تلوح في‬            ‫إن غزو أوكرانيا لم يكن‬
   ‫ورخمانينوف وتشيخوف‬            ‫الأفق ملامح تغيير ليس فقط‬          ‫نزهة‪ .‬وحسابات موسكو‬
   ‫وتشايكوفسكي‪ ،‬وإنما عن‬           ‫هيكلية الأمن الدولي‪ ،‬ولكن‬          ‫كانت منذ البداية خاطئة‬
    ‫روسيا الباطشة والقامعة‬           ‫بنيته الأساسية وهذا هو‬      ‫سياسيًّا وعسكر ًّيا وتاريخيًّا‪.‬‬
                                                                     ‫وسيتحدث التاريخ نفسه‬
 ‫والغازية والمستبدة‪ .‬فروسيا‬                          ‫الخطر‪.‬‬
 ‫الباطشة والمستبدة عدوة كل‬           ‫لقد زادت ألمانيا واليابان‬         ‫(التاريخ القريب ج ًّدا)‪،‬‬
‫هؤلاء وعدوة الجمال والخيال‬           ‫ميزانيات الدفاع بأحجام‬       ‫مثلما تحدث بعد أفغانستان‪.‬‬
                                     ‫مذهلة وغير مسبوقة في‬
    ‫والإبداع‪ ،‬وعدوة نفسها‪..‬‬           ‫التاريخ‪ .‬وبدأت طوكيو‬          ‫لقد كانت نفس المسوغات‬
      ‫في ظل هذا المشهد غير‬            ‫وبرلين تتحدثان بشأن‬        ‫والتبريرات لدى كل مشجعي‬
      ‫المسبوق طوال الأعوام‬           ‫الجيوش والسلاح ونشر‬
      ‫الثلاثين الأخيرة‪ ،‬ظهر‬      ‫الأسلحة النووية‪ .‬بينما فنلندا‬       ‫الاتحاد السوفيتي‪ .‬كانوا‬
     ‫عنوان على النحو التالي‪:‬‬      ‫والسويد بدأتا بالحديث عن‬       ‫يبررون كل شيء باستخدام‬
                                    ‫الانضمام إلى حلف الناتو‪.‬‬     ‫الهنود الحمر وفيتنام وبداية‬
   ‫«الولايات المتحدة والصين‬          ‫قد يتأخر كل ذلك بعض‬          ‫الخلق وسفر التكوين‪ .‬كانوا‬
      ‫تبحثان في روما الأزمة‬       ‫الوقت إلى أن تجري هندسة‬
     ‫بين روسيا وأوكرانيا»!‬          ‫هذه البنية الأمنية العالمية‬      ‫يستخدمون كل الوسائل‬
                                   ‫الجديدة‪ ،‬ويتم تأسيس أمر‬            ‫لتبرير الغزو السوفيتي‬
  ‫هذا الخبر في حد ذاته يعني‬          ‫واقع جديد‪ ،‬لنجد أمامنا‬       ‫لأفغانستان‪ .‬ولكن لم يصح‬
 ‫الكثير والكثير بشأن ملامح‬        ‫بنية مختلفة تما ًما وضاربة‬
                                 ‫ومتوحشة للغاية‪ .‬أما روسيا‬                      ‫إلا الصحيح‪.‬‬
    ‫التقسيمة الجديدة‪ ،‬وليس‬         ‫فستظل لوقت طويل تعاني‬           ‫الآن‪ ،‬روسيا تكاد تتساوى‬
   ‫بالضبط النظام العالمي قيد‬        ‫من آثار ليس فقط خطأها‬          ‫مع تركيا‪ .‬وهناك من يدفع‬
   ‫التشكل‪ .‬فالولايات المتحدة‬         ‫التاريخي والاستراتيجي‬
 ‫تدعو الصين كن ٍّد لها لمناقشة‬       ‫بغزو أوكرانيا‪ ،‬ولكن من‬             ‫في هذا الاتجاه تمهي ًدا‬
   ‫المشاكل التي تثيرها الدول‬       ‫حصار الغرب‪ ،‬ومن حزام‬          ‫لتأسيس أمر واقع آخر جديد‬
 ‫الصغيرة أو الدول المارقة أو‬         ‫الكراهية الذي يحيط بها‬       ‫يمكن تفجير التناقضات من‬
 ‫الدول المنبوذة أو الدول التي‬       ‫في بولندا والتشيك والمجر‬
  ‫تعتدي على بعضها البعض!‬                                             ‫خلاله‪ .‬وإذا كانت هيكلية‬
 ‫يبدو الأمر وكأنه “تحريكة”‬              ‫وسلوفاكيا وأوكرانيا‬       ‫الأمن الدولي وبنيته استقرتا‬
                                  ‫ومولدوفا وإستونيا ولاتفيا‬      ‫بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي‬
    ‫شطرنج بسيطة في روما‬
     ‫بين الأنداد‪ ،‬أو بالأحرى‬            ‫وليتوانيا ودول آسيا‬             ‫وتفككه‪ ،‬فإن المنتصر‬
 ‫بين الندين‪ ،‬تضع روسيا في‬                         ‫الوسطى‪..‬‬            ‫في الحرب الباردة ش َّكل‬
 ‫مكانة لا تريدها موسكو ولا‬                                          ‫هيكلية أمنية عالمية جديدة‬
   ‫ترغبها‪ ،‬وهي على استعداد‬         ‫الكلام هنا ليس عن روسيا‬           ‫ببنية تتناسب مع حجمه‬
   ‫لتبديد كل تراكماتها المالية‬         ‫بوشكين وليرمونتوف‬         ‫وإمكانياته‪ .‬ولكن بوتين الذي‬
    ‫خلال السنوات العشرين‬                                          ‫جمع بعض التراكمات المالية‬
‫الأخيرة من أجل أن تغير هذه‬        ‫وتورجينيف وجونتشاروف‬              ‫المتواضعة أراد تغيير هذه‬
   ‫“المكانة”‪ ،‬بل على استعداد‬                                     ‫الهيكلية ووضع نفسه شري ًكا‬
 ‫للتورط في حروب ومساندة‬                                           ‫متكافئًا مع بقية الدول التي‬
                                                                    ‫تسبقه في كل شيء ضمن‬
   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208   209