Page 51 - merit 42 jun 2022
P. 51

‫‪49‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫شعر‬

         ‫وتقوم بفعلها الحزين الذي نسميه المساء‪،‬‬           ‫التي كانت تنتظرني بصبر ملح السباخ‪،‬‬
     ‫الذي اخترع فانوس الزيت ذا الفتيلة المتذبذبة‬               ‫وتلون عين َّي بألوانها‪ :‬هي الأجمل‪..‬‬
                                                                    ‫كان لا بد لي تصديق الأشياء؛‬
                                        ‫العليلة‪،‬‬
                                     ‫والنعاس‪..‬‬         ‫فأمضغها مغمض العينين وأبلع ريقي الم َّر‪..‬‬
 ‫كيف كان الليل يدخل بيتنا من غير فانوس يضيء‬                                 ‫فهكذا أفهم الحقائق!‬
                                     ‫له الطريق؟‬
                                                                 ‫‪-3‬‬
                 ‫‪-4‬‬
                                                         ‫عن الساقية الصغيرة خلف البيت‪ ،‬أحكي‪:‬‬
‫يسرني الكلام أي ًضا عن غرفة جدتي التي يتوسطها‬     ‫كانت ساقيتان‪ ،‬واحدة أن ُزلها نها ًرا وأفتح جلبابي‬
                                   ‫كانون طيني‪،‬‬
                                                                                   ‫بوجه التيار‪،‬‬
               ‫مثل سندان ثقيل راسخ في الأرض‪،‬‬                ‫أعترض الأسماك‪ ،‬ولا أصطاد واحدة‪،‬‬
   ‫وأتذكر حضنها المفعم بدخان الحطب الحيواني‪.‬‬         ‫وساقية أسمعها في منامي تجري خلف البيت‪،‬‬
                                                      ‫هي أكبر وأعمق وأطول وأعرض من الفرات‪.‬‬
                  ‫لم أكن أعرف أي معيار للجمال‪،‬‬
                    ‫أجمل من دقائق النعاس تلك‪،‬‬                                  ‫والساقية الكبيرة‪،‬‬
                                                                   ‫التي ما زالت تجري من أجلى‪،‬‬
            ‫معيار لا يقبل الدحض ولا الاستثناء‪..‬‬     ‫حيث يسكن الخوف خلف سدتها الترابية بهيئة‬
                     ‫فما لا يموت لا يحمل جما ًل‪،‬‬
                                                                                        ‫أفعوان‬
  ‫وأن الموتى هم الأجمل‪ ،‬لهذا لا يتجاوزهم الزمن‪..‬‬                  ‫يسرط من يقترب منه في الحلم!‬
         ‫كنت أزور قبر أبي ساعة المغيب كل يوم‪،‬‬                    ‫لولاها لما اخترعت الطبيعة الأفق‪،‬‬
                                                           ‫ولما وجدت الشمس مكا ًنا تغيب وراءه‪،‬‬
     ‫أدثره بكلمات دافئات بلا عتاب تقيه من البرد؛‬
        ‫لكني‪ ،‬في مساء من هذه المساءات الكسولة‪،‬‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56