Page 68 - merit 42 jun 2022
P. 68

‫العـدد ‪42‬‬   ‫‪66‬‬

                                                         ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬

‫حجاج أدول‬

‫ِبريكة ومرسي‬

 ‫الفقيرة‪ .‬يو ًما بعد يوم يلتقيان ويتهامسان‪ ،‬لم تقل‬       ‫الكتيبة الحربية المصرية أبحرت إلى اليمن‪ ،‬تمركزت‬
  ‫الفتاة ما العمل إن عاد جيشك لبلاده‪ ،‬فهذا خوف‬              ‫على قمة جبل من الجبال الوعرة‪ .‬الجبل يطل على‬
 ‫في القلب مكتوب‪ ،‬ولم يقل مرسي وماذا أفعل حين‬                ‫بيوت قرية يمنية‪ .‬المعارك تشتعل‪ .‬الكتيبة تقذف‬
                                                           ‫الدانات الثقيلة فتدك بيوت القرية اليمنية‪ ،‬ورجال‬
             ‫نفارق بلادكم‪ ،‬خوف في قلبه مكتوم؟‬                 ‫القرية ببنادقهم القديمة‪ ،‬يتسللون صاعدين في‬
   ‫ِبريكة خجلة‪ ..‬حافية وملبسها متواضع‪ .‬طمأنها‬                ‫تعاريج الجبل التي يعرفونها تما ًما‪ .‬يتمركزون‬
‫مرسي بأنه أي ًضا من عائلة فقيرة تسكن حيًّا فقي ًرا‬          ‫بالقرب من القمة‪ ،‬وببنادقهم التليدة‪ ،‬يصطادون‬
     ‫بالقاهرة اسمه «و َّراق العرب»‪ .‬تشجعت ِبريكة‬
‫وبدأت تنظر بعينها في عينيه‪ ،‬ويسرح عقلها و َي ْس َبح‬      ‫الجنود المصريين واح ًدا بعد الآخر‪ .‬قتل وتقتيل بين‬
‫قلبها كسحابة خفيفة شفافة‪ .‬نظرات مرسي رقراقه‬                  ‫الجانبين ولا منتصر‪ ،‬الغريمان خاسر وخاسر‪.‬‬
                                                             ‫هدنة فيتوقف القتال مؤقتًا‪ .‬ولضرورة حربية‪،‬‬
                                           ‫لينة‪.‬‬             ‫جماعة من جنود الكتيبة تهبط إلى السفح‪ .‬تبني‬
      ‫أتى مرسي بدون خوذته وبدون سلاحه وقد‬
  ‫فتح أزار قميصه العسكري‪ ،‬فبان كل عنقه وأعلى‬               ‫شبه حصن صغير لتحتمي به‪ .‬قائد المجموعة هو‬
   ‫صدره‪ .‬في الخفاء سحبت الفتاة الدبوس القابض‬              ‫الرقيب مرسي‪ .‬صبية ترعى غنم عائلتها قريبًا من‬
     ‫على فتحة صدرها فانكشف جانب بسيط منه‪.‬‬                 ‫المكان‪ .‬الفتاة مليحة ومرسي وسيم‪ .‬الفتاة بسمتها‬
     ‫يداعب مرسي شعرها الناعم‪ .‬فتخفض رأسها‬
    ‫خجلة‪ .‬يقول إن اسمه مرسي‪ ،‬فتقول إن اسمها‬                  ‫مضيئة والرقيب ضحكته تأسر القلوب‪ ،‬خاصة‬
    ‫« ِبريكة» ولما قال لها أن ِت جميلة يا ِبريكة‪ ،‬قلبها‬    ‫قلوب الفتيات‪ .‬تابعها من بعيد فأحست به‪ .‬اقتربا‬
  ‫رقص‪ .‬ولما قالت له أن َت جميل يا سيد يا مرسي‪،‬‬           ‫وأحبَّا بعضهما‪ .‬ملبسه أصفر قاتم على رأسه خوذة‬
                                                           ‫حديدية‪ ،‬وفي يده بندقيته وفي قدميه حذاء جندية‬
                                      ‫قلبه غنَّى‪.‬‬         ‫عابس‪ ،‬وملبسها جلباب باهت ودبوس رفيع يغلق‬
     ‫أتت بطعامها الملفوف في قماشة صغيرة‪ ،‬وأتى‬
    ‫بمعلبات طعام ورغيفين‪ِ .‬بريكة معها قربة مياه‬              ‫الجلباب من عند الصدر‪ .‬يختلسان أوقا ًتا ليبقيا‬
‫صغيرة‪ ،‬وسيد معه زمزمية المياه العسكرية‪ .‬تناولا‬            ‫متجاورين‪ .‬نسمة هواء تلاعب شعر الفتاة‪ ،‬فيسعد‬
    ‫م ًعا من طعامهما‪ .‬هي شربت من زمزميته وهو‬
   ‫شرب من جرابها‪ .‬ق َّرب وجهه من وجهها وقبَّلها‬               ‫قلب سيد‪ ،‬يضع خوذته وسلاحه جانبًا‪ ،‬الفتاة‬
‫لأول مرة فتعجبت‪ .‬بادلته القبلة فاندهش‪ .‬احتضنها‬                ‫تشير لكلبها ليبتعد‪ .‬يمسك يدها وتمسك يده‪.‬‬
   ‫حضنًا خفي ًفا فكان اندهاشهما م ًعا أروع‪ .‬ما كل‬         ‫يبتسمان لبعضهما‪ .‬ساعة زمن يعود الرقيب سيد‬
    ‫هذا الجمال؟! كل نهار حين تطمئن الحبيبة على‬           ‫لحصنه والخوذة على رأسه‪ ،‬سلاحه في يده والحذاء‬
                                                          ‫القاسي يدوس حصوات صغيرة فتصدر أزيز ألم‪.‬‬
                                                              ‫وتعود الفتاة بأغنامها وكلبها لبيوتها الحجرية‬
   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73