Page 8 - merit 42 jun 2022
P. 8

‫العـدد ‪42‬‬                                         ‫‪6‬‬

                                                    ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬

  ‫حسين أن القرآن هو الذي يفسر الشعر وليس‬                 ‫التي تص ِّدر للناس ليل نهار أنه فلتة زمانه!‬
                                  ‫العكس‪.‬‬                 ‫هذه الحالة تتم في حراسة جهاز أمني قوي‬
                                                     ‫يقمع أي تحرك في مهده‪ ،‬ولا يستهين بأي رأي‬
 ‫قبل ذلك بربع قرن كان قد صدر كتاب «تحرير‬             ‫مخالف حتى لو كان تدوينة على موقع التواصل‬
‫المرأة» لقاسم أمين عام ‪ ،1899‬وتلاه كتابه «المرأة‬      ‫الاجتماعي فيس بوك‪ ،‬وفي ظل أحكام قضائية‬
                                                        ‫تصدر بحق المعارضين وفق قائمة من التهم‬
                       ‫الجديدة» عام ‪.1900‬‬             ‫المحفوظة التي تبدأ بمحاولة الانقلاب وزعزعة‬
    ‫وبعد كتاب طه حسين بأحد عشر عا ًما كتب‬              ‫نظام الحكم‪ ،‬ولا تنتهي بتعكير صفو المجتمع‬
    ‫إسماعيل أدهم رسالته‪ /‬كتابه بعنوان «لماذا‬        ‫وإشاعة روح الاكتئاب! وبمساعدة جهاز إعلامي‬
                                                       ‫يتحسس ميكروفوناته كلما استمع إلى صوت‬
      ‫أنا ملحد؟” عام ‪ ،1937‬بعد أن قرأ رسالة‬         ‫مخالف‪ ،‬إعلام جوبلز الذي يقذف قناعات الاتجاه‬
   ‫الشاعر أحمد زكي أبو شادي بعنوان “عقيدة‬            ‫المسيطر في عقول الناس ويؤكد عليها باستمرار‬
                                                    ‫دون ملل ولا كلل‪ ،‬ومن ناحية أخرى يقلِّب الرأي‬
     ‫الألوهية”‪ .‬وأعلن أدهم في الكتاب أنه سعيد‬       ‫العام ضد كل من يخالف صوته‪ ،‬حتى لو ل َّفق أو‬
  ‫ومطمئن للإلحاد‪ ،‬ورد عليه محمد فريد وجدي‬
‫بمقال “لماذا هو ملحد” في محاولة لتفنيد الأفكار‬                          ‫ح َّرف الكلام عن معانيه‪.‬‬
                                                    ‫لكن أخطر ما فعله نظام حركة يوليو ‪ 1952‬الذي‬
                        ‫المطروحة في الكتاب‪.‬‬          ‫لا يزال مستم ًّرا حتى اللحظة‪ ،‬هو تديين المجتمع‬
    ‫في هذا الجو الليبرالي الذي كانت تتناطح فيه‬
 ‫الأفكار بحرية لا تتوفر لنا الآن‪ ،‬بعد أن ضيَّقت‬      ‫المصري! فقبل انتصارها وتمكينها كان المجتمع‬
   ‫علينا حركة يوليو مجال الحريات‪ ،‬لم يتعرض‬            ‫ذاهبًا إلى مزيد من الليبرالية الفكرية‪ ،‬ومناقشة‬
   ‫طه حسين أو إسماعيل أدهم لأي أذى‪ ،‬وحتى‬
 ‫الإجراءات التي اتخذت ضد علي عبد الرازق من‬               ‫التراث الديني –الإسلامي خاصة‪ -‬مناقشة‬
‫سحب شهادته وفصله من وظيفته‪ ،‬قد زالت بعد‬                 ‫واسعة وعقلانية ح َّرة‪ ،‬بالإضافة إلى الاتجاه‬
 ‫ذهاب الملك فؤاد‪ ،‬فبعد أن تولى الشيخ مصطفى‬          ‫نحو تحرير المرأة وإدماجها في المجتمع بخروجها‬
   ‫عبد الرازق مشيخة الأزهر سنة ‪ 1945‬أعاده‬             ‫للتعليم والعمل‪ ،‬والمشاركة في الحياة السياسية‬
   ‫إلى زمرة العلماء‪ ،‬ثم ُعيِّن وزي ًرا للأوقاف بين‬
 ‫ديسمبر ‪ 1948‬ويوليو ‪ 1949‬في وزارة إبراهيم‬                   ‫والحزبية‪ ،‬وحصولها على حق الانتخاب‬
  ‫عبد الهادي‪ ،‬كما شغل عضوية مجلس النواب‪،‬‬                                            ‫والترشح‪.‬‬
    ‫ومجلس الشيوخ‪ ،‬وعين عض ًوا بمجمع اللغة‬
                                                        ‫ففي عام ‪ 1925‬صدر كتاب الشيخ علي عبد‬
                          ‫العربية بالقاهرة‪.‬‬            ‫الرازق «الإسلام وأصول الحكم»‪ ،‬وقد رافقته‬
    ‫محاولات جمال عبد الناصر لإثبات أن حربه‬           ‫ضجة فقهية وثقافية وسياسية كبرى لأنه نفى‬
  ‫ضد جماعة الإخوان المسلمين ليست حر ًبا على‬             ‫وجود نظام «الخلافة» في الإسلام في الوقت‬
    ‫الإسلام‪ ،‬كما صورها الإخوان دائ ًما‪ ،‬جعلته‬          ‫الذي كان الملك فؤاد يهيئ نفسه ليكون خليفة‬
   ‫يسعى لتديين المجتمع‪ ،‬سواء كان يدري أو لا‬            ‫للمسلمين بعد إلغاء الخلافة في تركيا‪ ..‬وبعده‬
 ‫يدري‪ ،‬فالنتيجة واحدة‪ ،‬وقد سار َم ْن جاء بعده‬         ‫بعام واحد‪ ،‬عام ‪ ،1926‬صدر كتاب «في الشعر‬
  ‫في الطريق نفسها حتى اليوم‪ ،‬ليجد المصريون‬             ‫الجاهلي» للدكتور طه حسين‪ ،‬وقد ذهب بعي ًدا‬
                                                       ‫في مقدمته حين طالب بمناقشة الأمور الدينية‬
      ‫أنفسهم أسرى لاثنين‪ :‬نظام الرأي الواحد‬          ‫بعي ًدا عن قداستها‪ ،‬فليس ثمة مقدس أمام العقل‬
  ‫والصوت الواحد الذي يرى أنه الوطني الأوحد‬
  ‫وأن مخالفيه عملاء وأشرار من ناحية‪ ،‬ورؤية‬               ‫والمنطق‪ ،‬وأعمل نظرية الشك الديكارتي في‬
                                                       ‫قراءته للشعر الجاهلي ليصل إلى نتيجة أنه تم‬
      ‫دينية متطرفة تدس أنفها فيما تعلم وفيما‬          ‫انتحاله بعد الإسلام ونسبته لشعراء جاهليين‪،‬‬
    ‫لا تعلم‪ ،‬والغريب أنهما –في معظم الحالات‪-‬‬        ‫حتى يسند بعض تفسيرات القرآن‪ ،‬في حين رأى‬
 ‫يتحالفان ضد المجتمع والناس والتطور الطبيعي‬

                                   ‫للحياة!‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13