Page 342 - m
P. 342

‫العـدد ‪60‬‬                                 ‫‪340‬‬

                                   ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                         ‫وأخرى ذا ًتا وموضو ًعا للسرد‬
                                                                                               ‫م ًعا‪.‬‬
    ‫القصصي‪ ،‬لكنها تبقى ثانوية‬             ‫وهي الشرخ الحاصل على‬
      ‫مثال شخصية مولي بلووم‪.‬‬         ‫مستوى الذاكرة التي لا تسعف‬       ‫المقطعان الأول والأخير يشيران‬
 ‫وهذه الهيمنة للسارد‪ ،‬راجعة إلى‬    ‫السارد على ضبط الواقع والتحكم‬      ‫إلى التحول والتضاد‪ ،‬وهذا يؤكد‬
   ‫أنه يحكي عن نفسه وعن ذاته‪،‬‬
  ‫بينما الشخصيات الأخرى التي‬                            ‫في أحداثه‪.‬‬       ‫أن القصة بدأت معكوسة‪ ،‬أي‬
‫يلتفت إليها تأتي فقط لملء مساحة‬    ‫والملاحظ كذلك أن النص يتمحور‬          ‫أن النهاية هي المدخل للسرد‪،‬‬
   ‫الحديث عن هذه الذات‪ .‬فالمرأة‬    ‫حول السارد منذ البداية‪ ،‬أي منذ‬     ‫دليل ذلك‪ ،‬التحول في السرد بين‬
‫التي يتخيلها ويحاورها على لسانه‬                                       ‫الإيجاب والسلب‪ ،‬باستعمال أداة‬
 ‫تشتغل كحافز يساعده على كسر‬          ‫لحظة دخول السارد إلى البيت‪،‬‬
                                       ‫رغم أن مقطع البداية يجعلنا‬                          ‫النفي لم‪:‬‬
           ‫الصمت الذي يعيشه‪:‬‬           ‫نعتقد أن الأمر يتعلق بسارد‬       ‫دخلت وأغلقت الباب ورائي‬
       ‫تلمست فلم أجد الكرسي‬
    ‫الفارغ‪ -‬والصرصار الأسود‬         ‫غائب‪ ،‬وكأن النص يسرد نفسه‬                ‫أشعلت الضوء‪ ،‬وتلفت‬
   ‫لم‪ -‬لم أر حولي إلا الصمت‪..‬‬          ‫بنفسه ويقدم ذاته بذاته‪ .‬ولا‬                   ‫الكرسي الفارغ‬
   ‫إن استحضاره شخصية مولي‬               ‫يتحقق وجود السارد الفعلي‬                    ‫وسريري البارد‬
   ‫بلوم ‪ MOLLY BLOOM‬بطلة‬              ‫باعتباره شخصية فاعلة إلا في‬
      ‫رواية عوليس ‪ULYSSES‬‬               ‫المقطعين الثاني والثالث عبر‬             ‫والصرصار الأسود‬
   ‫لجيمس جويس جاءت لتضفي‬                                                                   ‫والصمت‬
      ‫على السرد طابع اللامعقول‬       ‫استحضار شخصية يحاورها‪،‬‬
      ‫والعجائبي‪ ،‬وذلك من خلال‬      ‫وهذا الحضور يأتي بشكل سريع‬                         ‫المقطع الأخير‪:‬‬
    ‫تشبيه شفتي الشخصية التي‬                                             ‫دخلت وأغلقت الباب ورائي‬
  ‫كان يخاطبها بشفتي مولي بلوم‬        ‫في المقطع الثالث‪ ،‬لكنه يعود إلى‬
    ‫الشخصية الخيالية والورقية‪.‬‬        ‫الاختفاء في المقطعين السادس‬         ‫أشعلت الضوء فلم يشعل‬
   ‫وظف السارد تقنيات الاختزال‬        ‫والسابع من خلال سارد غائب‬            ‫وتلمست فلم أجد الكرسي‬
      ‫والتركيز والانتقاء في كتابة‬
                                                           ‫يحكي‪.‬‬                             ‫الفارغ‬
                                   ‫تتوسل القصة‪ ،‬في الغالب‪ ،‬الحكي‬                  ‫سريري البارد لم‬
                                                                              ‫والصرصار الأسود لم‬
                                       ‫بضمير المتكلم‪ ،‬وهذا الضمير‬
                                    ‫مهيمن على السرد‪ ،‬رغم أن هناك‬                       ‫لم‪ ..‬لم‪ ..‬لم‪..‬‬
                                                                       ‫لم أر حولي‪ ،‬في خوف الظلام‪،‬‬
                                      ‫شخصيات أخرى تؤثث العالم‬
                                                                                         ‫إلا الصمت‬
                                                                       ‫الذي بقي بين الأمس واليوم‬

                                                                                       ‫فقط الصمت‬

                                                                            ‫بناء القصة‬

                                                                        ‫ينزاح شكل القصة عن الشكل‬
                                                                         ‫الكلاسيكي وقوانينه‪ ،‬إذ يبدو‬
                                                                          ‫مفكك البناء ومتقط ًعا‪ ،‬يعتمد‬
                                                                       ‫تصوير لحظات منفصلة ونقلها‬
                                                                      ‫في المكان الواحد (القاعة أو البهو‬

                                                                               ‫أو المنزل بصفة عامة)‪.‬‬
                                                                        ‫إن هذا التفكك لا ينبع فقط من‬
                                                                        ‫رغبة الكاتب في التجديد‪ ،‬وإنما‬
                                                                        ‫يرتبط بتيمة النص القصصي‪،‬‬
   337   338   339   340   341   342   343   344