Page 304 - merit 48
P. 304

‫فواغي القاسمي‬                                                                                                                                                                                                                                    ‫العـدد ‪48‬‬                                                                                  ‫‪302‬‬

‫ثم الأم عندما تملأ الكون بحنانها‪.‬‬                                                                                                                                                                                                                                          ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬                                                            ‫التي رسمتها بريشتها الشعرية‪،‬‬
        ‫والمدهش أي ًضا أن الوجود‬                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ‫عندما جعلت (ربابها) علامة‬
                                                                                                                                                                                                                                                    ‫رولان بارت‬
 ‫يتأنسن؛ في الشواطئ التي تهمس‬                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ‫سيميائية على الشيخوخة‪ ،‬مثلما‬
     ‫تحي ًة و ُحبًّا وتقدي ًرا للأمومة‪.‬‬                                                                                                                                                                                                ‫الرومانسي‪ ،‬فإن الشاعر يوظف‬                                                                                    ‫جعلت الضباب مكس ًوا بالألم‪.‬‬
     ‫وإذا انتقلنا إلى فكرة العودة‪/‬‬                                                                                                                                                                                                      ‫عناصر من الوجود‪ ،‬مثل القمر‬
    ‫الرجوع‪ ،‬بوصفها سيمياء دالة‬                                                                                                                                                                                                        ‫أو النجوم‪ ،‬في مناجاة حبيبته‪ ،‬بل‬                                                                            ‫وتظل دلالة عنوان القصيدة معلقة‬
                                                                                                                                                                                                                                     ‫يجعل من حبيبته عالمًا‪ ،‬فيه الجمال‬                                                                                ‫في نفسية المتلقي‪ ،‬حتى تأتي‬
‫تشيع في جنبات الديوان‪ ،‬وأضحت‬                                                                                                                                                                                                          ‫والموسيقى والعطر والزهر‪ .‬وهو‬                                                                                        ‫الإنارة في البيت الأخير‪:‬‬
     ‫علامة محورية في نصوصه‪،‬‬                                                                                                                                                                                                          ‫ما برعت فيه شاعرتنا في مواضع‬
                                                                                                                                                                                                                                         ‫عديدة بديوانها‪ ،‬ولعل أبرزها‬                                                                               ‫َر َحلَ ْت َت ُج ُّر ال َّص ْو َت ِم ْن َش َف ِة‬
   ‫فإننا سنندهش أكثر عندما نجد‬                                                                                                                                                                                                       ‫عندما استحضرت عناصر الطبيعة‬                                                                                                          ‫المَ َدى‬
   ‫تط َّو َر دلالتها‪ ،‬لتتخذ ُبع ًدا شديد‬                                                                                                                                                                                              ‫ومكونات الوجود‪ ،‬مخاطب ًة أمها‪:‬‬
  ‫البرودة‪ ،‬بعدما اكتست في النص‬                                                                                                                                                                                                          ‫ََتَروأَ َُتطْي ُْتوط ِِفِكوي‪.‬ي‪َ .‬نَنأُ َِّبمُب ْي ْيعَن َد ُافلمَ ُصَسوا َفِل ِةاِ َْغع ِتِّن َراي‪ِ،‬بي‬         ‫َِمعا ِتا َُعبا َه َدا(‪ُ7‬ي)‪ْ .‬ج ِدي ِف ال ُّر ُجو ِع‬
‫السابق بحرارة الفقد‪ ،‬ففي قصيدة‬                                                                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫فما كان الرجوع إلا رحي ًل‪ ،‬فلا‬
 ‫«مياسم الصقيع»‪ ،‬لن ندرك دلالة‬                                                                                                                                                                                                                     ‫ِبَه ِذ ْم ْك َِرسىالالَّشَّن َوَواا ِِرطئ‪،‬س‪،‬‬                                                  ‫فائدة من العتاب‪ ،‬فمادام الرحيل‬
                                                                                                                                                                                                                                                       ‫ُع ْش ِب المَ َط ْر(‪)9‬‬                                                                    ‫قد ت َّم‪ ،‬وغابت الوجوه عن العيون‪،‬‬
    ‫الصقيع إلا مع الأبيات الثلاثة‬                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  ‫فإن العتاب يفقد جدواه‪ ،‬لتكون‬
                         ‫الأولى‪:‬‬                                                                                                                                                                                                       ‫لقد أشركت الشاعرة‪ :‬النوارس‪،‬‬                                                                                  ‫دلالة عنوان القصيدة‪ ،‬بوصفه‬
                                                                                                                                                                                                                                       ‫والشواطئ‪ ،‬والعشب‪ ،‬والمطر‪ ،‬في‬                                                                              ‫علامة‪ ،‬هي أن العتاب سيظل لف ًظا‪،‬‬
‫َََقنيََوَظحاَْدد ْلَّْجتمًمأُآَتَاعْىنُُّارن ُيَدَُغَََمكيس َدالَِّياْ ُسلَُْزحَتش ُ َِزجرُِّكرْجُْرَمََّدعلِد ُاحَِِمنليفاْبْنلاأََّلَصهٍَُر ِقسَُّضوَبسيىُفِفُىىعيو َام ُِِيبهاَلحْبُرَّت ِِرْدِدوضيِل ُييِِيهحِهوِهِه(َم‪َ 0‬ه‪)1‬ا‬   ‫التعبير عن حنينها إلى أمها‪ ،‬التي‬                                                                             ‫خاو ًيا من معناه‪ ،‬محم ًل بأساه‪،‬‬
   ‫وبعد قراءة هذه الأبيات‪ ،‬ندرك‬                                                                                                                                                                                                      ‫جعلت منادتها رؤية بصرية‪ ،‬تملأ‬                                                                                 ‫لأن الرجوع موجوع‪ ،‬والوصال‬
 ‫المفارقة البديعة‪ ،‬فلم يعد الصقيع‬                                                                                                                                                                                                       ‫الوجود‪ ،‬وكأن ملامح الأم غير‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                        ‫مقطوع‪.‬‬
‫يعني البرد والثلوج والتجمد‪ ،‬وإنما‬                                                                                                                                                                                                       ‫مقتصرة على أم الشاعرة فقط‪،‬‬
                                                                                                                                                                                                                                        ‫وإنما تتجلى في الطبيعة حولها‪.‬‬                                                                                 ‫سيمياء المفارقة‬
                                                                                                                                                                                                                                      ‫العلامة هي الأم‪ ،‬وتحورت دلاتها‬
                                                                                                                                                                                                                                      ‫لتشمل الأم بمعناها المعلوم لدينا‪،‬‬                                                                               ‫ومقصود بها براعة الشاعرة‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                    ‫في البنية النصية الشعرية‪ ،‬بما‬

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ‫يجعلها تولِّد دلالات جديدة‪،‬‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   ‫تفاجأ القارئ‪ ،‬وتضيف للمعنى‬

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫تأويلات‪ ،‬تح ِّرض القارئ على‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   ‫النظر فيها‪ .‬فالعلامة تنقسم إلى‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                    ‫ثلاثة أنماط‪ :‬المثال‪ ،‬والموضوع‪،‬‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                    ‫والمؤول‪ .‬فالمثال هو الأداة التي‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   ‫تقوم بالتمثيل بشيء آخر‪ ،‬فهو‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   ‫يخلق علامة موازية له‪ ،‬لتصبح‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  ‫قابلة للتعرف‪ ،‬أما الموضوع فهو‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  ‫الرؤية أو الطرح الخاص بالنص‪،‬‬

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                       ‫في حين يأتي المؤول‪ ،‬ليربط‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫ما بين الأداة‪ /‬المثال‪ ،‬وما بين‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                    ‫الموضوع(‪ ،)8‬فإذا أردنا التعبير‬

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                       ‫عن موضوع ما‪ ،‬مثل الحب‬
   299   300   301   302   303   304   305   306