Page 299 - merit 48
P. 299

‫‪297‬‬          ‫ثقافات وفنون‬

             ‫كتب‬

‫ويليام جيمس‬  ‫سيجموند فرويد‬                            ‫خالد منتصر‬          ‫وجاهة اجتماعية‪ ،‬وضمان دخل‬
                                                                        ‫متميز اقتصاد ًّيا واجتماعيًّا‪ ،‬ناسية‬
 ‫حرمان أو تجارب مروعة قد مر‬              ‫كان طبيبًا تقليد ًّيا حتى قبل‬  ‫أو متناسية دور الطبيب الإنساني‬
   ‫بها دون أن يتذكرها‪ ،‬أو يدرك‬       ‫إنشائه لمدرسة التحليل النفسي‪،‬‬
                                    ‫والتي نجحت ‪-‬وما زالت تواصل‬              ‫على مر التاريخ‪ ،‬كما فهمه أبو‬
‫فحواها وأهميتها التي قد تظهر في‬     ‫النجاح‪ -‬في ملايين الحالات حول‬        ‫قراط‪ ،‬العميد التاريخي الإغريقي‬
  ‫أفعاله أو كلماته دون وعي بها‪.‬‬                                         ‫الأصل للمهنة وشرفها‪ ،‬والذي ما‬
   ‫هذا الإدراك الاجتماعي‪ ،‬والذي‬           ‫العالم خلال القرن الماضي‪.‬‬     ‫زال َق َس َمه يفرق بين مهنة الطبيب‬
      ‫أصبح فيما بعد علم النفس‬          ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن إدراك‬
     ‫الاجتماعي عن طريق ويليام‬        ‫العلاقة الوثيقة بين الاضطرابات‬                    ‫وأي مهنة أخرى‪.‬‬
     ‫جيمس وإيريك فروم وجان‬              ‫النفسية وأعراضها الجسدية‪،‬‬          ‫وفي حضارتنا العربية لم نبتعد‬
   ‫بياجيه‪ ،‬أصبح محو ًرا ها ًّما في‬     ‫يرتبط ارتبا ًطا وثي ًقا بالظروف‬
   ‫فكر عكاشة النفس‪ -‬اجتماعي‪،‬‬         ‫الاجتماعية‪ ،‬بل والسياسية‪ ،‬التي‬            ‫كثي ًرا عن مثل هذا المفهوم‬
                                     ‫يجب أن تؤخذ في الحسبان‪ ،‬قبل‬              ‫الإنساني لمهنة الطب‪ .‬فترى‬
‫ومحاولاته لقراءة العقل المصري‪،‬‬      ‫البدء في محاولة مخلصة لتحقيق‬              ‫الطبقات الشعبية في الطبيب‬
   ‫بمشاكله واحباطاته في محاولة‬        ‫شفاء ناجع للحالة النفسية وما‬             ‫حكي ًما‪ ،‬يتعامل مع مرضاه‬
    ‫دؤوبة لتخليصه من المعوقات‬       ‫قد ينتج عنها‪ .‬وسيجموند فرويد‪،‬‬             ‫كبشر‪ ،‬ودون تفرقة بين ما‬
                                      ‫بالطبع‪ ،‬كان أول من أدرك هذا‬             ‫هو نفسي وما هو عضوي‪،‬‬
‫المترسبة تاريخيًّا‪ ،‬والتي قد تعوق‬     ‫حين ط َّور مفاهيم مثل اللاوعي‬          ‫بخلاف نظرة الطب المعاصر‬
     ‫انطلاقه لفكر أرحب وصحة‬             ‫والأنا والهو والأنا العليا‪ ،‬عن‬         ‫الذي تعددت اختصاصاته‬
             ‫نفسية أكثر اكتما ًل‪.‬‬    ‫طريق فهم العلاقات المركبة بين‬          ‫بحيث لم يعد يرى في المريض‬
                                                                         ‫سوى مجموعة أعراض جسدية‪،‬‬
   ‫يصف عكاشة نفسه قائ ًل‪« :‬أنا‬           ‫الفرد منذ الطفولة‪ ،‬وعلاقته‬         ‫يتم تشخيصها بدقة‪ ،‬وتحديد‬
  ‫محاولة لإسعاد من عانوا محنة‬           ‫بأبويه وبالجنس الآخر‪ ،‬وما‬        ‫موقعها في الجسد الإنساني قبل‬
                                      ‫يكون قد تعرض له من كبت أو‬           ‫مواجهتها بالمضادات الكيميائية‬
    ‫المرض النفسي‪ .‬وأحد أسباب‬                                               ‫المختلفة‪ .‬ويمحو الطب الحديث‬
   ‫تخصصي في الطب النفساني‪،‬‬                                              ‫بذلك هوية المريض ليصبح مجرد‬
‫والذي كان غير معروف في مصر‬                                                 ‫حالة تتشابه أعراضها وآلامها‬
                                                                         ‫مع الآلاف من البشر حول العالم‬

                                                                                       ‫وعلى مر التاريخ‪.‬‬
                                                                              ‫لا يمكن فهم مساهمة أحمد‬
                                                                               ‫عكاشة إلا بوضعها في هذا‬
                                                                          ‫السياق الثوري الذي يعيد مهنة‬
                                                                            ‫الطب إلى أصولها الفلسفية أو‬
                                                                           ‫العربية‪ ،‬وفهمه العميق للعلاقة‬
                                                                        ‫الوثيقة العضوية بين المخ البشري‬
                                                                            ‫وكيمياء الجسد الإنساني‪ ،‬بما‬
                                                                           ‫قد يطرأ على الجسد من علل أو‬
                                                                          ‫أعراض‪ .‬وبذلك فإن الدور الذي‬
                                                                        ‫يلعبه عكاشة وتلاميذه‪ ،‬من الممكن‬
                                                                           ‫اعتباره امتدا ًدا لفكر سيجموند‬
                                                                            ‫فرويد (‪ ،)1939 -1856‬الذي‬
   294   295   296   297   298   299   300   301   302   303   304