Page 301 - merit 48
P. 301

‫‪299‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

 ‫تحتل نتائجه المانشيتات الرئيسة‬     ‫تدريجيًّا إحساس الفرد بالطمأنينة‬    ‫أو ًل في المجتمع الأسري الصغير‪،‬‬
     ‫لأغلب وسائل الإعلام المرئية‬       ‫والقدرة على تحقيق الذات‪ ،‬مما‬      ‫ومنه إلى مجتمع متكافل متعاون‬
                                      ‫يتسبب مباشرة في فشل الآلاف‬         ‫يسوده الحب لا التنافس والتنابذ‬
  ‫والمسموعة والمكتوبة‪ ،‬قد جعلت‬                                           ‫وضيق الأفق‪ ،‬مسترش ًدا بالمنطق‬
    ‫منه مصدر قلق‪ ،‬يتعارض مع‬         ‫من الزيجات‪ ،‬وتأخر سن الزواج‪،‬‬
     ‫قدرات الشباب وأسرهم‪ ،‬بل‬          ‫وما يترتب على ذلك من انحلال‬          ‫والعلم‪ ،‬وقادر على المساهمة في‬
                                          ‫خلقي من جهة‪ ،‬وعنف ضد‬            ‫الحضارة الإنسانية بشكل عام‪.‬‬
  ‫وتفوق في أحيان كثيرة طاقاتهم‬         ‫الجنس الآخر من جهة أخرى‪،‬‬            ‫ينبهنا عكاشة إلى أن الكثير من‬
                         ‫المالية‪.‬‬         ‫بجانب ذلك الكبت الجنسي‬
                                     ‫الهائل‪ ،‬الذي يعاني منه المجتمع‪،‬‬         ‫إشكالياتنا النفسية الخطيرة‬
 ‫والواقع أن تكوين عكاشة الثقافي‬      ‫والمسؤول عن الزيادة المضطردة‬        ‫تتهدد الإنسان المصري‪ ،‬وتشمل‬
‫والفني قد ساهم بدرجة كبيرة في‬            ‫في حالات التحرش الجنسي‪،‬‬          ‫الانخفاض التدريجي لمستويات‬
                                       ‫والعنف الذي قد يطول الأسرة‬
  ‫توسيع مداركه‪ ،‬وتعدد هواياته‬             ‫ذاتها‪ ،‬غير حالات الانتحار‪،‬‬       ‫الذكاء في بيئة تعليمية متخلفة‪،‬‬
  ‫لتشمل الفنون المختلفة‪ ،‬والقدرة‬           ‫والازدياد الهائل في حالات‬           ‫وظهور وانتشار الاكتئاب‬
‫على الاستمتاع بالموسيقى العالمية‬
                                    ‫الاكتئاب‪ ،‬الذي يعد ثاني الأمراض‬          ‫النفسي‪ ،‬والتزايد في معدلات‬
     ‫والأدب الرفيع‪ .‬يذكر عكاشة‬            ‫‪-‬بعد أمراض القلب‪ -‬سببًا‬            ‫السكيتزوفرينيا‪ /‬الانفصام‪،‬‬
‫ضاح ًكا أن المشرف الرئيسي على‬                                               ‫ناهيك عن الانحدار الأخلاقي‬
 ‫دراسته العليا بإنجلترا قد فاجأه‬        ‫أساسيًّا وراء العجز‪ ،‬ويصيب‬        ‫والذوقي‪ ،‬الذي أصبحنا نتعامل‬
  ‫بترشيح أعمال أدبية لشيكسبير‬                    ‫النساء بنسبة أكبر‪.‬‬           ‫معه في الشارع والمنزل‪ ،‬بل‬
‫ودوستويفسكي وكافكا‪ ،‬كمصادر‬                                                ‫وفي أماكن العمل‪ ،‬والذي يرتبط‬
 ‫أساسية لطالما استفاد منها وبنى‬          ‫أما بالنسبة للإدمان‪ ،‬فيدرك‬
                                       ‫عكاشة أن الحلول الأمنية (على‬            ‫عضو ًّيا بتغيرات سياسية‬
   ‫عليها الطب النفسي الإكلينيكي‬        ‫ضرورتها) غير كافية لمواجهة‬        ‫واقتصادية واجتماعية‪ ،‬شهدناها‬
      ‫منذ فرويد وإلى يومنا هذا‪.‬‬
      ‫ولعل السؤال الرئيس الذي‬             ‫ذلك الخطر الداهم الآخذ في‬          ‫جمي ًعا خلال العقود الخمس‬
       ‫يواجهنا بعد قراءة مقالات‬     ‫الانتشار حتى وصل إلى مدارسنا‬                                ‫الفائتة‪.‬‬

    ‫ومحاورات أحمد عكاشة‪ ،‬هو‬            ‫الابتدائية‪ ،‬بكل نتائجه الوخيمة‬       ‫فلا شك أن الحقبة الناصرية‪،‬‬
‫إمكانية الاستفادة الفعلية والعملية‬         ‫على الفرد والأسرة والبناء‬            ‫بالرغم من كل مساوئها‪،‬‬

     ‫من شخصية متميزة‪ ،‬قادرة‬             ‫الاجتماعي‪ .‬أما الضغوط التي‬      ‫وتضييقها على الحريات الخاصة‪،‬‬
  ‫على التصدي للأمراض النفسية‬            ‫يتعرض لها أبناؤنا من خلال‬             ‫إلا أنها نجحت في خلق حلم‬
‫والعقلية‪ ،‬بفلسفة إنسانية‪ ،‬يملؤها‬        ‫مؤسسات التعليم‪ ،‬التي فقدت‬
  ‫الحب‪ ،‬والثقة في إمكانية الشفاء‬                                          ‫جماعي‪ ،‬بالقدرة على النجاح في‬
                                          ‫الكثير من دورها التربوي‪،‬‬        ‫تحدي الأخطار الكبرى‪ ،‬وملأت‬
                  ‫هامش‪:‬‬                 ‫بتخليها عن التربية الرياضية‬       ‫الشعب تفاؤ ًل بالمستقبل‪ ،‬إلى أن‬

      ‫‪ -1‬جدير بالذكر أن د‪.‬أحمد‬            ‫والذوق الفني كما يتجلى في‬         ‫حلت هزيمة ‪ .1967‬ومما زاد‬
 ‫عكاشة هو الأخ الأصغر لدكتور‬          ‫الفنون المختلفة‪ ،‬وفن الموسيقى‪،‬‬      ‫المجتمع تشتتًا‪ ،‬بدون شك‪ ،‬كان‬
                                       ‫فتتهدد سلامة الطالب المصري‬
     ‫ثروت عكاشة‪ ،‬فارس الثقافة‬          ‫النفسية‪ ،‬وقد تدمر ثقته بنفسه‬          ‫خلق مناخ تنافسي حل محل‬
‫المصرية‪ ،‬وأعظم من ترأس وزارة‬         ‫وقدرته على التحصيل والتركيز‪،‬‬         ‫الحلم بالاشتراكية‪ ،‬والدعوة إلى‬
                                                                        ‫تضافر جموع الشعب في مشروع‬
                        ‫ثقافتها‪.‬‬            ‫مما قد يقضي بدوره على‬         ‫قومي موحد‪ ،‬تزامن مع سياسة‬
                                        ‫طموحاته المستقبلية‪ .‬ولا شك‬      ‫الانفتاح‪« -‬سداح مداح» كما أطلق‬
                                      ‫أن نظام الثانوية العامة‪ ،‬الذي لا‬
                                     ‫يماثله نظام تعليمي في العالم‪ ،‬إذ‬             ‫عليها أحمد بهاء الدين‪.‬‬
                                                                        ‫فمع التفاوت الخطير في مستويات‬

                                                                            ‫الدخل‪ ،‬وانتشار البطالة‪ ،‬يقل‬
   296   297   298   299   300   301   302   303   304   305   306