Page 303 - merit 48
P. 303

‫‪301‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

      ‫التنويري‪ ،‬الحضور المعادي‬                                                                                                                                                                  ‫أشبه بمفاتيح الولوج للدلالة‬       ‫السيمياء في الشعر تتخذ دلالات‬
   ‫للضياع‪ ،‬وكما تقول في قصيدة‬                                                                                                                                                                ‫العامة للديوان‪ ،‬التي يقف عندها‬             ‫جديدة‪ ،‬وكما يشير الناقد‬
                                                                                                                                                                                           ‫القارئ‪ ،‬قبل استقباله للنص‪ ،‬وكما‬
          ‫حملت عنوان «ضياع»‪:‬‬                                                                                                                                                               ‫يقال في المثل‪ :‬فإن البيت ُيعرف من‬    ‫الفرنسي الكبير رولان بارت‪ ،‬فإن‬
   ‫أُُيَََوووأََِؤََحيت ُِّّْْبقر ْش ُتسَُقكِرلُُِكن ِنَُنعَعيِنِتيااييِلشُج ًقُِيَّرُناضَيَوحَياِلا ٌُِّنطَّحُعش ُماََوغَهِلباِاا ِتْنَّاِشيِدفلِِهَفكا ُِّر َُمصعَْوحَْرواَّتِ ِحُجعىيي‬     ‫عتبته‪ ،‬والرسالة (البريدية) من‬        ‫العلامة اللسانية (اللغوية) هي‬
                                                                                                                                                                                            ‫عنوانها‪ ،‬فإن الديوان أو القصيدة‬        ‫بنية يتحد فيها الدال والمدلول‪،‬‬
      ‫ُيل ِّو ُح لي ِب َذا ِري َها ال َو َدا ُع(‪)6‬‬                                                                                                                                           ‫يعرفان من العنوان‪ ،‬فـ»العنوان‬
 ‫فمضمون القصيدة السابقة يشير‬                                                                                                                                                                                                     ‫فكل كلمة تستحضر صورتها في‬
                                                                                                                                                                                                ‫بنية نصية مشحونة الدلالة‪،‬‬         ‫الذهن‪ ،‬فمعنى الكلمة وصورتها‬
   ‫إلى روح رومانسية تعبق ذاتها‪،‬‬                                                                                                                                                               ‫ممثلة لفكرة النص بقصدية من‬         ‫اللفظية والصوتية تكون حاضرة‬
   ‫والرومانسية في جوهرها تعني‬                                                                                                                                                                ‫قبل المرسل (الشاعر)‪ ،‬فهو سمة‬        ‫في وعي المتلقي‪ ،‬من خلال روابط‬
   ‫الحضور والتلاقي للأحبة‪ ،‬فلا‬                                                                                                                                                              ‫تواصلية تربط المبدع بالمتلقي»(‪،)5‬‬     ‫متحدة في ماهيتها وجوهرها(‪،)4‬‬
‫حب إذا افتقد الحبيب حبيبه‪ ،‬وهنا‬                                                                                                                                                                                                    ‫بمعنى أن الشاعر عندما يختار‬
  ‫يكون معنى الضياع هو الخشية‬                                                                                                                                                                         ‫وتدفعه لقراءة الديوان‪.‬‬
                                                                                                                                                                                                ‫فعنوان الديوان «حينما أنا في‬         ‫ألفا ًظا بعينها‪ ،‬فهو يروم بها‬
     ‫من الغياب‪ ،‬فرياح الشك تملأ‬                                                                                                                                                            ‫الغياب»‪ ،‬نجد فيه أن مفردة الغياب‬       ‫معنى مسب ًقا يعرفه القارئ‪ ،‬وقد‬
 ‫الذات الشاعرة‪ ،‬خو ًفا أن تفتقد أو‬                                                                                                                                                             ‫تمثل علامة سيميائية ودلالية‪،‬‬
  ‫يغيب حبيبها‪ .‬إذن‪ ،‬تكون الدلالة‬                                                                                                                                                              ‫نفهم بها الدلالة الكلية للديوان‪،‬‬      ‫يضيف على هذا المعنى الجديد‬
                                                                                                                                                                                           ‫فهل الغياب هنا يعني‪ :‬غياب الذات‬      ‫دلالات أخرى‪ ،‬من خلال السياقات‬
   ‫السيميائية للضياع تعني إثبات‬                                                                                                                                                                ‫الشاعرة عن الوجود؟ الإجابة‬
      ‫الوجود وترسيخه‪ ،‬والسعي‬                                                                                                                                                                ‫تكون بالنفي‪ ،‬لأن الذات الشاعرة‬          ‫النصية‪ ،‬وهي دلالات لا تنفي‬
                                                                                                                                                                                              ‫هنا حاضرة‪ ،‬بكيانها العضوي‪،‬‬        ‫المعاني السابقة‪ ،‬بل تضيف عليها‪،‬‬
   ‫إلى استمرارية الحب‪ .‬وما أروع‬                                                                                                                                                              ‫وتصوراتها ورؤاها‪ ،‬ومشاعرها‬
  ‫الصورة التي غلَّفت البيت الأول‬                                                                                                                                                             ‫الفياضة‪ ،‬ولكن غيابها يتخذ ُبع ًدا‬          ‫وتكسوها معاني جديدة‪.‬‬
‫السابق! فكأن الشاعرة وسط اليم‪،‬‬                                                                                                                                                                ‫عكسيًّا‪ ،‬وهو ما يصدم القارئ‪،‬‬           ‫ويمكن الجزم بأن الشاعرة‬
  ‫والأمواج تتلاحق عليها‪ ،‬وهي في‬                                                                                                                                                               ‫فالغياب يأتي بمعنى الحضور‪،‬‬         ‫فواغي القاسمي اعتمدت قامو ًسا‬
 ‫قاربها‪ ،‬بأشرعته المحطمة‪ ،‬تكافح‬                                                                                                                                                                                                   ‫متنو ًعا من العلامات‪ /‬السيمياء‪،‬‬
‫من أجل البقاء‪ ،‬ويأتي تعبير «رياح‬                                                                                                                                                                  ‫الحضور الفاعل‪ ،‬الحضور‬              ‫جمع ال ُبعد الجمالي‪ ،‬والجديد‬
                                                                                                                                                                                                                                    ‫الدلالي‪ ،‬وإدهاش الرؤية‪ ،‬وهو‬
     ‫الشك» بوصفه تشبي ًها بلي ًغا‪،‬‬                                                                                                                                                                                                  ‫ما يتطلب نه ًجا‪ ،‬يقرأ امتدادات‬
             ‫ليؤكد دلالة الحيرة‪.‬‬                                                                                                                                                                                                    ‫السيمياء في بنية الديوان كله‪،‬‬
                                                                                                                                                                                                                                 ‫فالألفاظ التي هي عنوان علامات‬
       ‫وتبدو الدهشة أكثر‪ ،‬عندما‬
  ‫تبرع الشاعرة بأن تجعل عنوان‬                                                                                                                                                                                                           ‫تتواشج‪ ،‬ومعا ٍن تتلاقى‪،‬‬
                                                                                                                                                                                                                                      ‫وتأويلات تتوالد‪ ،‬وما علينا‬
      ‫قصيدتها ختا ًما لها‪ ،‬كما في‬                                                                                                                                                                                                    ‫إلا الربط بين أبيات القصائد‬
  ‫قصيدتها «عتاب الرجوع»‪ ،‬التي‬
                                                                                                                                                                                                                                                    ‫وتعبيراتها‪.‬‬
                ‫تستهلها بقولها‪:‬‬
  ‫َشا َخ ْت َع َل ُك ِّل ال ُّد ُرو ِب َر َبا ُب َها‬                                                                                                                                                                                 ‫سيمياء الدهشة‬
 ‫َوا ْس َت ْع َص َر ْت أَ َلًا َك َسا ُه َض َبا ُب َها‬
                                                                                                                                                                                                                                  ‫وتبدو جلية في العتبات النصية‪،‬‬
     ‫فدلالة مفتتح القصيدة تحمل‬                                                                                                                                                                                                       ‫وما يف ِّسر دلالتها في الأبيات‬
  ‫ألمًا يعتصر الذات‪ ،‬لأن كل ما في‬                                                                                                                                                                                                    ‫الشعرية‪ ،‬فالمقصود بالعتبات‬
                                                                                                                                                                                                                                     ‫‪ Para Text‬هو كل ما يحيط‬
     ‫الطرقات والدروب قد أصبح‬
 ‫شائ ًخا ه ِر ًما‪ ،‬وما أجمل الصورة‬                                                                                                                                                                                               ‫بالديوان‪ ،‬بد ًءا من عنوان الديوان‬
                                                                                                                                                                                                                                  ‫ذاته‪ ،‬ثم عناوين القصائد‪ ،‬فكلها‬
   298   299   300   301   302   303   304   305   306