Page 88 - مجلة تنوير - العدد الخامس
P. 88

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                 ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫وجعلهـا مجـرد فكـرة‪ ،‬علـى نحـو مـا ذهـب «باركلـى»‬                      ‫الجهـاز العصبـي مـن متغيـ ارت‪)24(.‬‬
‫‪ ،)1753– )1685 Berkeley‬وإنمـا يكـون‬
‫بوضـع المـادة فـي منتصـف الطريـق بيـن الامتـداد‬            ‫ويمثـل «هيـوم» ‪ )1776–)1711 Hume‬هـذا‬
‫الهندسـي وبيـن الفكـرة الخالصـة‪ .‬فليسـت الأشـياء‬           ‫الاتجـاه‪ ،‬وذلـك لأنـه لـم يكتـف باعتبـار الصـور‬
‫أجسـا ًما جامدة تما ًما كما أنها ليسـت رو ًحا بالمعنى‬      ‫والأفـكار مجـرد نسـخ للانطباعـات الأصليـة علـى‬
‫الدقيـق‪ ،‬وإنمـا هـي بيـن الاثنيـن وجـود وسـط؛‬              ‫الحـس‪ ،‬وإنمـا َعدهـا نسـ ًخا تبـدو فـي وضـع انفصـال؛‬
‫وهـذا الوجـود الوسـط يسـميه «برجسـون» صـوًار‪.‬‬              ‫كمـا أرى أن الخيـال بإمكانـه أن يفصـل الأفـكار‬
‫والصـورة عنـده هـي « نـوع مـن الوجـود بيـن الشـيء‬          ‫البسـيطة بعضهـا عـن بعـض ثـم يعيـد ربطهـا مـن‬
                                                           ‫جديـد‪ ،‬هـذا الت اربـط ينشـأ عـن علاقـات التشـابه‬
                                ‫والتص ـور»‪)29(.‬‬
                                                                  ‫والتجـاور الزمانـي والمكانـي والسـببية‪)25(.‬‬
‫والأجسـام – علـى هـذا النحـو – هـي مجموعـة‬
‫مـن الصـور تتركـز وتتحـد فيمـا بينهـا فتبـدو رو ًحـا‬       ‫وقـد عـارض «هكسـلى» ‪–)1894 Huxley‬‬
‫أو فكـًار‪ ،‬وتتشـعب وتفتـرق فتبـدو مـادة أو جسـ ًما‪.‬‬        ‫‪ )1963‬نظريـة «هيـوم» فـي الصـور‪ ،‬وذهـب‬
‫والجسـم الإنسـاني صـورة تؤثـر فـي الصـور الأخـرى‪،‬‬          ‫فـي نقـده إلـى أنـه مـن المحتمـل عندمـا تُستنسـخ‬
‫وهـذا الجسـم لا يصنـع التصـو ارت أو يبعثهـا‪ ،‬وإنمـا‬        ‫الانطباعـات أو الصـور المعقـدة بوصفهـا ذكريـات‪،‬‬
‫هـو مركـز عمـل وأداة لاسـتقبال التأثيـ ارت الصـادرة‬        ‫ألا تعطـى كل تفاصيـل الموضوعـات الأصليـة بدقـة‬

                          ‫عـن الصـور الأخـرى‪.‬‬                                                   ‫تام ـة‪)26(.‬‬

           ‫الصورة وعالم الظاهريات الوجودية‬                 ‫وقـد سـبق «هيـوم» فـي تفسـيره الخـاص بتداعـي‬
                                                           ‫المعاني «اسبينو از» ‪)1677– )1632 Spinoza‬‬
‫عالجـت فلسـفة الظاهريـات(‪( )30‬الفينومينولوجيـا)‬            ‫فيمـا قـدم مـن تفسـير مـادي للذاكـرة يقـوم علـى أن‬
‫عنـد «هوسـرل» ‪)1938–)Husserl1859‬‬                           ‫الجسـم البشـرى إذا مـا تأثـر بجسـمين أو أكثـر فـي‬
‫موضـوع الإد ارك والتخيـل‪ ،‬مـن خـال أفـكار أساسـية‬          ‫وقـت واحـد‪ ،‬فـإن ذهنـه عندمـا يتخيـل أيـا منهمـا فيمـا‬
‫تـدور حـول ضـرورة التمييـز بيـن الشـعور وبيـن‬
‫موضوعاته‪ ،‬وعدم الخلط بين التجربة وبين محتواها‪.‬‬                                   ‫بعـد‪ ،‬يتذكـر الآخـر بـدوره‪.‬‬
‫وتتمثل هذه الأفكار أي ًضا في الفصل بين الموضوع‬
‫الحقيقـي الواقعـي والموضـوع القصـدي‪ ،‬بيـن موضـوع‬           ‫أمـا «كانـط» ‪ )1804–)1724 Kant‬فقـد أرى‬
‫العقـل وفعـل التعقـل؛ وذلـك فـي سـياق العلاقـة بيـن‬        ‫– فـي القسـم الخـاص بالاسـتنباط المتعالـي – أن‬
                                                           ‫ملكـة الخيـال تسـتعين بالصـورة وبالزمـان لكـي تخلـق‬
                    ‫الـذات المدركـة وبيـن العالـم‪.‬‬         ‫رسـوًما تخطيطيـة أو رمـوًاز يمكـن أن تنـدرج تحتهـا‬
                                                           ‫حـدوس حسـية‪ ،‬وبفضـل فعـل الخيـال تحقـق الأنـا‬
‫وناقـش «هوسـرل» فـي كتابـه «الأفـكار» – وهـو‬               ‫ذاتهـا‪ ،‬فتتصـل بالكثـرة وتوحدهـا وتعارضهـا وتضـع‬
‫الكتـاب الـذي جعلـه مقدمـة عامـة للظاهريـات‬
‫الخالصـة – المفاهيـم الخاصـة بالصـورة والعلامـة‪.‬‬                                                ‫ذاته ـا‪)27(.‬‬
‫(‪ )31‬وذهـب إلـى أن الصعوبـة إنمـا تنشـأ عـن ذلـك‬
‫الميـل إلـى تنـاول الإحساسـات والمظاهـر كمـا لـو‬           ‫وعالـج «برجسـون» ‪–)1859 Bergson‬‬
‫كانـت علامـات أو صـوًار للأشـياء الواقعيـة التـي‬           ‫‪ )1941‬فـي كتابـه «المـادة والذاكـرة»(‪ )28‬مفهـوم‬
‫لا تُـدرك مباشـرة فـي ذاتهـا‪ .‬وهـذا التصـور خاطـئ‪،‬‬         ‫الصـورة والذاكـرة وعلاقـة الإد ارك الحسـي بالتخيـل‪.‬‬
                                                           ‫وقـد أرى – فـي هـذا الكتـاب – أن تقريـب المـادة‬
                                                           ‫مـن الشـعور لا يسـتلزم نقـل المـادة إلـى داخـل العقـل‬

                                                       ‫‪88‬‬
   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93