Page 84 - مجلة تنوير - العدد الخامس

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫حـواس الشـخص مـن جهـة أخـرى‪.‬‬ ‫وفـى علـم النفـس‪ :‬اسـتحضار صـورة شـيء‬
‫محسـوس فـي العقـل دون التصـرف فيـه‪ ،‬بمعنـى‬
‫وأمـا مـن حيـث كونهـا رمـًاز ‪ ،Symbole‬فإنهـا‬ ‫أنـه عمليـة تكويـن الأفـكار وإحيـاء منبهـات ومثيـ ارت‬
‫تشـير إلـى موضوعهـا مـن خـال الذهـن والفكـر‬ ‫بذهـن الفـرد‪ ،‬غيـر قائمـة أمامـه وقـت قيامـه بعمليـة‬
‫الذي يسـتخدمه‪ ،‬مثل‪ :‬الألفاظ اللغوية ذات الطبيعة‬ ‫التصـور‪ .‬وعنـد المناطقـة هـو إد ارك الماهيـة مـن‬
‫العامة والكلية مثل مفهوم «الإنسان»‪ ،‬وبالتالي فإن‬ ‫غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات‪ .‬وأما التصوير‬
‫الرمـز لا معنـى لـه فـي ذاتـه؛ بـل يتحـدد معنـاه فقـط‬ ‫فهـو إبـ ارز الصـورة إلـى الخـارج بشـكل فنـي‪ ،‬أي‬
‫مـن ِقَبـل الذيـن يسـتخدمونه بطريقـة اصطلاحيـة‪،‬‬ ‫نقـش صـورة الأشـياء أو الأشـخاص علـى لـوح أو‬
‫ولكن هذه الاصطلاحية لا تجرى بطريقة عشوائية‪،‬‬
‫إذ إن طبيعـة الموضوعـات ذاتهـا هـي التـي تحكـم‬ ‫حائـط أو نحوهمـا بالقلـم أو بآلـة التصويـر‪)2(.‬‬
‫اتفاقنـا علـى رمـز معيـن وكيفيـة اسـتخدامنا لـه(‪.)5‬‬
‫وتمتـد كلمـة «صـورة» بجذورهـا إلـى الكلمـة‬
‫ويـرى «ريجيـس دوبـري» ‪– )1940(Debray‬‬ ‫اليونانيـة القديمـة أيقونـة‪ )3(،‬التـي تشـير إلـى التشـابه‬
‫فـي كتابـه «حيـاة الصـورة وموتهـا»(‪ – )6‬أن كلمـة‬ ‫والمحـاكاة‪ ،‬وتعنـى أي ًضـا الكتابـة المقدسـة‪ .‬وقـد‬
‫«الصـورة» لا تـكاد تنفصـل فـي أصلهـا اللاتينـي‬ ‫تُرجمت إلى ‪ Imago‬في اللاتينية و‪ Image‬في‬
‫واليونانـي عـن عالـم المـوت‪ .‬فالطيـف أو الشـبح –‬ ‫الإنجليزيـة‪ .‬وتعبـر «الأيقونـة» فـي الفكـر اللاهوتـي‬
‫سـواء عبـر كلمـة ‪ Spectrum‬أو ‪Simulacrum‬‬ ‫عـن الـا منظـور‪ ،‬وتتجلـى بوصفهـا صـورة صادقـة‬
‫– يعنـى ببسـاطة التمثـل بالصـورة؛ وكلمـة ‪Imago‬‬ ‫مشـابهة للإلـه‪ ،‬أو هـي رمـز صـادق للإلـه الحـق‬
‫لا تخـرج عـن معنـى البديـل‪ .‬أمـا فـي اليونانيـة فكلمـة‬ ‫(أو غيـره مـن شـخوص ‪ Personae‬مقدسـة‬
‫الـذي دلـت فـي الإنجليزيـة والفرنسـية علـى معانـي‬
‫المعبـود أو الصنـم‪ ،‬تعنـى أي ًضـا شـبح الموتـى‪ .‬كمـا‬ ‫كالمس ـيح)‪.‬‬
‫أن «الصـورة» ترتبـط بالظـال‪ ،‬فهـي – فـي الحلـم‬
‫– الصـورة التـي ن ارهـا أثنـاء النـوم ‪Onar‬والتـي‬ ‫وتُعـد «الأيقونـة» – مـن هـذا المنظـور –‬
‫غالًبـا مـا يولدهـا إلـه ‪ Phasma‬هـو نفسـه ليـس إلا‬ ‫إحـدى التنويعـات العديـدة علـى تفرقـة «أفلاطـون»‬
‫‪ )347B.C–427( Plato‬بين نوعين من الصور‬
‫شـب ًحا لنفـس متوفـاة ‪.Psyche‬‬ ‫المنعكسـة‪ :‬صـور صادقـة تقـوم علـى التشـابه مـع‬
‫ويـرى بعـض المفكريـن أن كلمـة «إيديولوجيـا»‬ ‫المثـل‪ ،‬وصـور ازئفـة تفتقـر إلـى ذلـك التشـابه‪)4(.‬‬
‫‪ Ideology‬تمتـد جذورهـا داخـل مفهـوم‬
‫«الصـورة»‪ ،‬والتفكيـر بالصـورة‪ .‬وقـد جـاءت كلمـة‬ ‫أمـا فـي الاصطـاح السـيميوطيقى ‪Semiotics‬‬
‫«إيديولوجيـا» مـن كلمـة «فكـرة» ‪ Idea‬التـي‬ ‫فهـي تشـير إلـى العلامـات التـي تكـون فيهـا‬
‫جـاءت مـن الفعـل «يـرى» ‪ To See‬فـي اللغـة‬ ‫العلاقـة بيـن الـدال والإحالـة إلـى المدلـول‪ ،‬علـى‬
‫اليونانيـة‪ ،‬وهـو فعـل كثيـًار مـا كان يتـم ربطـه بالفكـرة‬ ‫أسـاس المشـابهة والتماثـل‪ .‬ولعـل أول مـن قـدم‬
‫العامة حول «الصنم» ‪ Idole‬أو الصورة المرئية‬ ‫تعريًفـا للأيقونـة هـو الفيلسـوف الأمريكـي» تشـارلز‬
‫‪ Image Visible‬التـي هـي فكـرة جوهريـة‬ ‫بيـرس» ‪ )1914–1839(Peirce‬قصـد بهـا‬
‫فـي البصريـات ونظريـات الإد ارك‪ .‬وكلمـة «فكـرة»‬ ‫العلامـات الأوليـة أو تلـك العلامـات التـي تحيـل إلـى‬
‫ترتبـط كذلـك بكلمـة ‪ Idolum‬اللاتينيـة وتعنـي‬ ‫موضوعاتها أو إلى مرجعها من خلال التشـابه بين‬
‫صـورة بـا مـادة وهـي مشـتقة مـن الكلمـة اليونانيـة‬ ‫الصـورة والموضـوع‪ ،‬مميـًاز بينهـا وبيـن «الإشـارة»‬
‫‪ Indice‬التـي تشـير إلـى موضوعهـا نتيجـة لوجـود‬
‫ت اربـط ديناميكـي بينهـا وبينـه مـن جهـة وبينهـا وبيـن‬

‫‪84‬‬