Page 123 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 123

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                       ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫المدرسـة أيديولوجيـة ذاتيـة علـى مختلـف مجموعـات فـي التحليـل الأخيـر علاقـات اسـتغلال لا يقتصـر الأمـر‬

‫الد ارسـات الثقافيـة الفرعيـة فـي المجتمـع الانجليـزي؛ على إسهام جهاز الدولة بسخاء في إعادة إنتاجه لنفسه‬

‫(تتكـون “الدولـة ال أرسـمالية” مـن دول سياسـية الطابـع‬           ‫حيـث كان وجـود إلتوسـير مفيـًدا جـًّدا للمدرسـة لإجاباتـه‬
                                                                 ‫عـن الأسـئلة الغامضـة مثـل لمـاذا صـوت أعضـاء‬
‫ودول عسـكرية الطابع‪ ،‬وهلم جّار)‪ ،‬إنما أي ًضا وهذا أهم‬            ‫الطبقـة العاملـة لسياسـة المحافظـة؟ علـى المـدى‬
‫يؤّمـن جهـاز الدولـة عـن طريـق القمـع (وهـي مـن أقسـى‬            ‫الطويـل؛ حيـث ثبـت مفهـوم ألتوسـر لأجهـزة الدولـة‬
‫درجـات القـوة الماديـة‪ ،‬إلـى الأوامـر الإداريـة البسـيطة‪،‬‬        ‫الأيديولوجيـة أن وجهـة نظـره متشـائمة حـول إمكانيـة‬
                                                                 ‫المقاومـة مـن جانـب هـذا الموضـوع‪« ،‬كمـا وصـف‬
‫وحتـى أشـكال الرقابـة المفتوحـة والناعمـة) الظـروف‬               ‫مـن خـال د ارسـة أجهـزة الدولـة الأيديولوجيـة المسـئولة‬

‫السياسـية التـي تمّكـن أجهـزة الدولـة الأيديولوجيـة مـن أن‬
                                   ‫تـؤدي أدوارهـا»‪.‬‬

‫وفتـح هـذا الشـرط الطريـق لدخـول مفهـوم «الهيمنـة»‬               ‫عـن إعـادة انتـاج علاقـات الانتـاج وصًفـا تاريخًّيـا‪ ،‬مـن‬
‫لأنطونيـو ج ارمشـي الـذي تـم تقديمـه فـي الأصـل فـي‬              ‫خـال الجهـاز الدينـي السـائد فـي العصـور الوسـطي فـي‬
‫عشـرينات القـرن العشـرين فـي أعمـال مدرسـة برمنجهـام‪،‬‬            ‫ظـل المجتمـع الاقطاعـي‪ ،‬فسـاهم مسـاهمة أساسـية فـي‬
‫وتطـور المفهـوم لأنطونيـو ج ارمشـي فـي سـياق صعـود‬               ‫إضافـة جـزء مهـم مـن حيـاة الفكـر والثقافـة الاوروبيـة‬
‫موسـوليني ‪ ،Mussolini‬عندمـا سـأل لمـاذا الطبقـة‬                  ‫التقليديـة الحديثـة‪ ،‬وفـي بنـاء وعـي معاصـر بحقيقـة‬
‫العاملـة الإيطاليـة كانـت تدعـم الفاشـية؟ ونوقشـت بشـكل‬          ‫وجودنـا فـي مجتمعاتنـا‪ ،‬وأكـد أن جميـع أجهـزة الدولـة‬
‫كبيـر فـي هـذا السـياق‪ ،‬وشـهدت بريطانيـا فـي أوائـل‬              ‫تـؤدي عملهـا عـن طريـق القمـع والأيديولوجيـة م ًعـا‪ ،‬مـع‬
‫الثمانينيـات نفـس الدهشـة وهـو دعـم الطبقـة العاملـة‬             ‫الفـارق المتمثـل فـي أن أجهـزة الدولـة (القمعيـة) تـؤدي‬
‫لهـذا المذهـب الـذي كان داع ًمـا للفاشـية فـي إيطاليـا‪،‬‬          ‫السـواد الأعظم من نشـاطها عن طريق القمع‪ ،‬في حين‬
‫ومحاولتهـم لفهـم الطريقـة التـي تـم بهـا إعطـاء تقديـر‬           ‫أن أجهـزة الدولـة الأيديولوجيـة تـؤدي السـواد الأعظـم مـن‬
‫خاص للمقاومة التي تقدمها مختلف الجماعات الثقافية‬                 ‫عملهـا عـن طريـق الأيديولوجيـا‪ ،‬أمـا وحـدة جهـاز الدولـة‬
‫الفرعيـة ضـد القـوة المهيمنـة للأيديولوجيـة المهيمنـة‪،‬‬           ‫(القمعـي) يتحقـق عـن طريـق تنظيـم الدولـة الموحـد‬
‫علـى سـبيل المثـال د ارسـة بـول ويليـس ‪Paul Willis‬‬               ‫والمركـزي تحـت لـواء قيـادة ممثلـي الطبقـات المتمكنـة‬
‫«تعلـم العمـل» (‪ )1977‬د ارسـة متعـددة الأبعـاد حـول‬              ‫مـن السـلطة التـي تنفـذ سياسـة الصـ ارع الطبقـي الخـاص‬
‫مواقـف وسـلوكيات الم ارهقيـن مـن أبنـاء الطبقـة العاملـة؛‬        ‫بالطبقـات التـي تتبـوأ السـلطة؛ فـإن وحـدة مختلـف أجهـزة‬
‫حيـث تكشـف هـذه الد ارسـة الطريقـة التـي يؤسـس بهـا‬              ‫الدولـة الأيديولوجيـة تتحقـق وعـادة مـا تتحقـق بأشـكال‬
‫شـباب الطبقـة العاملـة ثقافـة فرعيـة تميـل إلـى اندمـاج‬

‫متناقضـة عبـر الأيديولوجيـة الحاكمـة؛ أي أيديولوجيـة القيـم والمواقـف التـي تتعـارض مـع القيـم والمواقـف التـي‬

‫تـروج لهـا الثقافـة المهيمنـة‪ ،‬فيقيمـون الثقافـة الفرعيـة‬        ‫الطبقـة الحاكمـة‪.‬‬

‫لهـم نتيجـة عـدم الثقـة تجـاه مواقـف السـلطة‪ .‬مـا‬                ‫«إن دور جهـاز الدولـة القمعـي‪ ،‬بقـدر مـا هـو جهـاز‬
                                                                 ‫قمعـي‪ ،‬لكنـه يتكـون بالضـرورة مـن اسـتخدام القـوة‬
‫وجـده ويليـس ‪ Willis‬ليـس مفاجًئـا لـه بشـكل خـاص‪،‬‬                ‫(الماديـة وأشـكال القـوة الأخـرى) فـي تأميـن الظـروف‬
‫ولكـن مـا كان يميـز د ارسـاته هـو أنـه أرى المواقـف‬              ‫السياسـية لإعـادة إنتـاج علاقـات الإنتـاج‪ ،‬والتـي هـي‬

‫والسـلوكيات المعاديـة للسـلطة المسـتبدة مـن شـباب‬

‫الطبقـة العاملـة هـي جـزء مـن مجموعـة الاسـت ارتيجيات‬

                                                            ‫‪123‬‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128