Page 58 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 58

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                        ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الثقافـة ورصدهـا وفهمهـا وتحليلهـا والوصـول إلـى‬                  ‫الد ارسـات التـي تتطلبهـا تلـك الصناعـات‪ ،‬وبـدأ إنشـاء‬
‫الجانـب الضمنـي والصريـح منهـا غايـة مهمـة لخدمـة‬                 ‫الوحـدات المجمعـة فـي الريـف‪ ،‬وكانـت كل وحـده تخـدم‬
‫قضايـا التنميـة الريفيـة المسـتدامة‪ ،‬ولتحقيـق الفهـم‬              ‫خمسـة عشـر ألـف نسـمة‪ ،‬ومـع الانتهـاء مـن بنـاء السـد‬
‫المشـترك بيـن الإنسـان والمجتمـع‪ ،‬وبيـن بعـض الروافـد‬             ‫العالـي بـدأت مشـروعات اسـتصلاح الأ ارضـي‪ ،‬وشـعر‬
‫المعرفيـة المختلفـة فـي مجـال التنميـة؛ إذ إن الوعـي‬
‫بهـذه العناصـر الثقافيـة وفهمهـا سـيقود إلـى البحـث عـن‬                               ‫الفـاح بشـكل عـام بالاسـتق ارر‪.‬‬
‫صيغـة ملائمـة للتعامـل معهـا وصياغـة ب ارمـج ملائمـة‬
                                                                  ‫وامتـدت الخدمـات التثقيفيـة للريـف عـن طريـق‬
     ‫لاسـتيعاب القيـم الجديـدة التـي تحملهـا التنميـة‪.‬‬            ‫قصـور الثقافـة فـي عواصـم المحافظـات‪ ،‬والتـي كانـت‬
                                                                  ‫بمثابـة إشـعاع ثقافـي فـي القـرى التابعـة للمحافظـة‪.‬‬
‫وبنـاء علـى مـا سـبق ونظـًار إلـى أهميـة الثقافـة كأداة‬
‫للتنميـة المسـتدامة أو كعقبـة فـي طريـق الاسـتدامة‪ ،‬لا‬               ‫ثالًثا‪ :‬الثقافة مدخل للتنمية الريفية المستدامة‬
‫يمكـن الهبـوط بهـا إلـى مسـتوى ثانـوي لتصبـح مجـرد‬
‫عامـل مسـاعد للنمـو الاقتصـادي‪ ،‬وقـد أصبـح واض ًحـا‬               ‫تكتسـب التنميـة الريفيـة المسـتدامة فاعليتهـا مـن‬
‫أنـه لا فاعليـة لأي تنميـة مـا لـم تكـن شـاملة‪ ،‬ومـا لـم‬          ‫خـال تركيزهـا علـى الأدوار المختلفـة التـي تقـوم بهـا‬
‫تتضافـر جوانبهـا الاجتماعيـة والاقتصاديـة والثقافيـة‪،‬‬             ‫الثقافـة فـي المجتمـع‪ ،‬ويتجلـي ذلـك بـكل وضـوح فـي‬
‫وذلـك علـى النحـو الـذي يـؤدي فيـه التقـدم فـي كل جانـب‬           ‫المجتمعـات الريفيـة التـي تسـيطر عليهـا ثقافـة تقليديـة‬
‫إلـى التأثيـر فـي الجوانـب الأخـرى التـي تتبـادل عمليـات‬          ‫جامـدة‪ ،‬قـد تحـول بيـن أبنائهـا والإسـهام فـي تنفيـذ‬
‫الــتأثير والتأثـر‪ ،‬وتتمثـل بعـض جوانـب المشـكلة فـي‬              ‫مخططـات التنميـة‪ ،‬نتيجـة للتعـارض بيـن غايـات التنميـة‬
‫المشـرفين علـى ب ارمـج التنميـة إمـا لأنهـم يغفلـون تما ًمـا‬      ‫– فـي إطارهـا المؤسسـي والرسـمي – والقيـم الثقافيـة‬
‫أو يستهينون بتأثير الجوانب الثقافية الموروثة والمعاشة‬             ‫للمجتمـع الريفـي المـ ارد تنميتـه‪ ،‬فعمليـة التنميـة حمـل فـي‬
‫التـي تعرقـل عمليـة التنميـة فـي مجالاتهـا المختلفـة‪ ،‬وإمـا‬       ‫طياتهـا اسـتثمار للطاقـات المتاحـة وتوظيـ ٌف للإمكانيـات‬
‫لأنهـم لا يتعاملـون مـع التنميـة بوصفهـا عمليـة شـاملة‪،‬‬           ‫لتحقيـق غايـات منشـودة‪ ،‬ويتضمـن هـذا الهـدف العـام‬
                                                                  ‫أهداًفـا فرعيـة متنوعـة‪ ،‬كتغييـر بعـض العـادات وأنمـاط‬
             ‫متبادلـة الأثـر والتأثيـر فـي كل جوانبهـا‪.‬‬           ‫السـلوك كـي تتـاءم مـع التوجهـات الجديـدة التـي تسـعى‬
                                                                  ‫إليهـا جهـود التنميـة‪ ،‬كمـا يتطلـب ذلـك تعامـاً مباشـًار‬
‫هـذا وقـد ركـز الكثيـر مـن مشـروعات التنميـة الريفيـة‬             ‫مـع قيـم سـائدة تشـكل فـي مجملهـا إطـار ثقافـي للمجتمـع‬
‫على المتطلبات المادية والظروف الطبيعية والإمكانيات‬                ‫الـذي تعمـل فيـه هـذه الجهـود؛ ولذلـك تعـد الثقافـة بعـًدا‬
‫الفنيـة‪ ،‬وأهملـت فهـم الثقافـة الريفيـة بمـا تحملـه مـن‬           ‫أساسـًّيا فـي التنميـة المسـتدامة للمجتمـع؛ إذ بـدون الفكـر‬
‫قيـم وتقاليـد وعـادات ومعتقـدات تحكـم سـلوك الأفـ ارد‪،‬‬            ‫الواعـي تظـل التنميـة مظاهـر ماديـة قابلـة للاندثـار‪،‬‬
‫وتسـاعد علـي نجـاح التنميـة واسـتدامتها أو فشـلها‪،‬‬                ‫فالثقافـة تلعـب دوًار بـارز فـي التنميـة‪ ،‬وتعتبـر ركيـزة‬
‫وبشـكل عـام يمكـن القـول بـأن معظـم مشـرعات التنميـة‬              ‫أساسـية لا يمكـن إغفالهـا فـي كل تخطيـط تنمـوي قائـم‬
‫الريفية التي فشلت في تحقيق أهدافها كان فشلها ارج ًعا‬
‫إلـى عامليـن أساسـيين‪ ،‬أولهمـا عـدم إد ارك المخططيـن‬                                     ‫علـى أسـس علميـة مدروسـة‪.‬‬

                                                                  ‫وفـي هـذا الإطـار يصبـح الكشـف عـن عناصـر‬

                                                              ‫‪58‬‬
   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63