Page 59 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 59

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                        ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫يوجـد مشـروعٌ قومـي للتنميـة الز ارعيـة يضـم ك َّل الجهـود‬        ‫والمشـتغلين بالتنميـة للثقافـة السـائدة فـي المجتمـع الريفـي‬
‫تحـت مظلـة واحـدة‪ ،‬ت ارجـع دوُر الجمعيـات التعاونيـة فـي‬          ‫الـذي تخطـط وتنفـذ فيـه تلـك المشـروعات‪ ،‬وثانيهمـا‬
‫تنميـة قطـاع الز ارعـة‪ ،‬فلـم تنجـح التعاونيـات الز ارعيـة‬         ‫الصعوبـات التـي يضعهـا أفـ ارد المجتمـع أنفسـهم جـ ارء‬

‫فـي أن تتحـول إلـى آليـة لتفعيـل مشـاركة الم ازرعيـن‬              ‫تمسكهم بثقافتهم التقليدية‪ ،‬لا سيما وأن النا َس ُيفضلون‬
‫فـي صياغـة السياسـات الز ارعيـة‪ ،‬تفتـت الحيـا ازت‬                 ‫دائ ًمـا أسـاليب معيشـتهم وأنمـاط سـلوكهم المألوفـة؛ لـذا‬
‫والـذي يعـوق إلـى حـد كبيـر تحديـث قطـاع الز ارعـة‪،‬‬               ‫فـإن عمليـة التنميـة تجـد كثيـًار مـن المقاومـة‪ ،‬خاصـة فـي‬
‫والاعتمـاد بشـكل كبيـر علـى الميكنـة الز ارعيـة‪ ،‬لا سـيما‬         ‫بعـض الجوانـب الـا ماديـة – العـادات والتقاليـد – عنهـا‬

‫أن ‪ %95‬مـن الحيـا ازت أقـل مـن خمسـة أفدنـة‪ ،‬ويعانـي‬              ‫فـي الجوانـب الماديـة‪.‬‬

‫صغـار الم ازرعيـن مـن مشـكلات تسـويق الحاصـات‬                     ‫قبـول أي برنامـج للتنميـة الريفيـة لا بـد أن يكـون‬
‫الز ارعيـة وانخفـاض الدعـم الموجـه لقطـاع الز ارعـة‬               ‫مصم ًمـا بشـكل يتفـق مـع الثقافـة السـائدة فـي هـذا‬
‫مقارنـة بقطاعـات أخـرى‪ ،‬وتوقـف الحكومـة عـن متابعـة‬               ‫المجتمـع‪ ،‬ومـن هنـا لا بـد أن يضـع المخطـط فـي اعتبـاره‬
‫وتقييـم المشـروعات بعـد الانتهـاء مـن تنفيذهـا‪ ،‬وتخلـي‬            ‫منـذ البدايـة طبيعـة الثقافـة التقليديـة للقريـة‪ ،‬والعمـل فـي‬
‫و ازرة الز ارعـة عـن تزويـد الفلاحيـن بالتقـاوي ومسـتلزمات‬        ‫ذات الوقـت علـى اسـتغلال هـذه المعـارف اسـتغلالاً‬
‫الإنتـاج وتركهـا فـي أيـدي القطـاع الخـاص‪ ،‬الأمـر الـذي‬           ‫سـلي ًما عنـد وضـع المشـروع‪ ،‬لا سـيما وأن تلـك الثقافـة‬
‫أدى إلى إحجام العديد من الم ازرعين عن ش ارء التقاوي‬               ‫يعتنقهـا الأفـ ارد منـذ صغرهـم‪ ،‬ويحرصـون عليهـا عنـد‬
‫نظـًار إلـى ارتفـاع أسـعارها‪ ،‬واتجهـوا إلـى ز ارعـة التقـاوي‬
‫المحليـة ممـا أدى إلـى ضعـف إنتاجيـة الأرض الز ارعيـة‬                                 ‫تشـكيل اتجاهاتهـم ومعتقداتهـم‪.‬‬

‫وت ارجـع دور الإرشـاد الز ارعـي‪.‬‬                                  ‫ارب ًعا‪ :‬تحديات التنمية الريفية المستدامة‬
                 ‫‪ -2‬الفقر‬                                                     ‫‪ -1‬مشكلات قطاع الز ارعة‬

‫يتركـز ‪ %71‬مـن الفقـ ارء فـي القـرى‪ ،‬ويعتبـر مـن أهـم‬             ‫تواجه الز ارعة المصرية العديَد من المشكلات‪ ،‬ج ارء‬
                                                                  ‫الإهمـال القصـدي وغيـر القصـدي لسـنوات طويلـة‪ ،‬ومـن‬
‫معوقـات الاسـتدامة‪ ،‬فالأسـر الفقيـرة تهـدر البيئـة لأنهـم‬         ‫بيـن أهـم هـذه المشـكلات تناقـص الرقعـة الز ارعيـة التـي‬
‫لا يملكـون المـوارد الضروريـة للحفـاظ عليهـا‪ ،‬هـذا إلـى‬           ‫تقلصـت مـن حوالـي ‪ 8‬ملاييـن فـدان فـي الأربعينيـات‬
‫جانـب أن الفقـ ارَء ُيهـدرون البيئـة بسـبب ضيـق أفقهـم‬            ‫إلـى ‪ 5.5‬ملاييـن فـدان بالنسـبة لأ ارضـي الـوادي والدلتـا‪،‬‬
‫الزمنـي وانشـغالهم بالعيـش فـي الحاضـر دون التفكيـر‬               ‫وما ازل التعدي على الرقعة الز ارعية وتحويلها إلى كتل‬
                                                                  ‫خ ارسـانية مسـتمًار‪ ،‬وفـي هـذا السـياق تجـدر الإشـارة إلـى‬
‫فـي الحاجـات المسـتقبلية‪ ،‬بمعنـى آخـر أن الجـو َع والفقـر‬         ‫التحـول الثقافـي الـذي حـدث تجـاه الكثيـر مـن الريفييـن‬
‫لا يتـرك الأسـر الفقيـرة إلا أمـام خيـار واحـد هـو إسـاءة‬         ‫مـن الز ارعـة والأرض الز ارعيـة‪ ،‬تفتقـد التنميـة الز ارعيـة‬
                                                                  ‫لإطـار شـامل؛ فالجهـات المعنيـة بتنميـة الز ارعـة والريـف‬
‫اسـتخدام البيئـة تحقيًقـا لحاجاتهـم الأساسـية‪ ،‬فمـع وجـود‬         ‫تعمـل بشـكل منفـرد ووفـق مناهـج وأهـداف مختلفـة‪ ،‬فـا‬
‫ثقافـة الفقـر يعيـش الإنسـان حاضـره فقـط دون الاهتمـام‬

‫بالمسـتقبل‪ ،‬ففـي هـذه الثقافـة يهمـل المسـتقبل إهمـالاً‬
‫كبيـًار‪ ،‬وهـذا يسـرع مـن الهـدر‪ ،‬فالفقـر سـبب ونتيجـة‬

                                     ‫للهـدر البيئـي‪.‬‬

                                                              ‫‪59‬‬
   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63   64