Page 55 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 55

‫الثقافـة والتنميـة الريفيـة المسـتدامة‬

                                ‫أ د ‪ /‬كامل كمال‬

‫أستاذ ورئيس قسم المجتمعات الريفية والصح اروية‪ ،‬المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية‬

‫نجاحها واسـتدامتها ما لم تكن تلك المشـروعات متوافقة‬                                                    ‫مقدمة‬
‫مـع ثقافـة المجتمـع الريفـي‪ ،‬وقـادرة علـي تفعيـل أفـ ارده‬
                                                               ‫يتعـذر إحـداث تنميـة مسـتدامة للمجتمـع المصـري‬
          ‫وكسـبهم وإدماجهـم فـي بنيـة المشـروعات‪.‬‬              ‫بمعـزل عـن القريـة‪ ،‬ويبـرر ذلـك أسـباب متعـددة يتمثـل‬
                                                               ‫أولهـا فـي حجـم المسـاهمة الاقتصاديـة للريـف فـي‬
                           ‫أولاً‪ :‬مقاربة المفاهيم‬              ‫الاقتصـاد القومـي؛ حيـث تسـهم الز ارعـات ب‪ %17‬مـن‬
                                                               ‫الناتـج المحلـي الإجمالـي‪ ،‬و‪ %20‬مـن حجـم الصـاد ارت‪،‬‬
                                    ‫‪ -1‬الثقافة‬                 ‫كمـا أن الصناعـا ِت المعتمـدة علـى المنتجـات الز ارعيـة‬
‫يعد مفهوم الثقافة من أوسع المفاهيم انتشاًار وأكثرها‬            ‫تشـكل ‪ %20‬مـن الناتـج المحلـي الإجمالـي‪ ،‬وبصفـة‬
‫اسـتخدا ًما مـن جانـب عامـة النـاس والمتخصصيـن فـي‬             ‫عامـه تصـل مسـاهمة قطـاع الز ارعـة ‪ %37‬سـواء بشـكل‬
‫العلـوم الاجتماعيـة‪ ،‬يسـتخدمها البعـض علـى أنهـا‬               ‫مباشـر أو كمنتجـات وسـيطة‪ ،‬وثانـي هـذه الأسـباب أن‬
‫مـ اردف لارتفـاع مسـتوى الفـرد فـي تخصصـه أو تعليمـه‪،‬‬          ‫أكثـَر مـن نصـف السـكان فـي مصـر يعشـون علـى عائـد‬
‫وحصـول الإنسـان علـى قـدر عـال مـن المعرفـة فـي‬                ‫هـذا القطـاع‪ ،‬كمـا أنـه يوظـف مـا يقـرب مـن ‪ %30‬مـن‬
‫الفنـون والآداب المختلفـة‪ ،‬بينمـا ينظـر الأنثروبولوجيـون‬       ‫القـوة العاملـة‪ ،‬وثالـث هـذه الأسـباب أن مصـر تسـتورد‬
‫لمفهـوم الثقافـة نظـره مغايـره‪ ،‬فهـم يـرون أن التمييـز‬         ‫‪ %40‬مـن غذاءهـا‪ ،‬ويشـير السـبب ال اربـع والأخيـر‬
‫بيـن الإنسـان المثقـف وغيـر المثقـف لا يعـدو عـن كونـه‬         ‫إلـى أن معظـَم المشـكلات الاجتماعيـة فـي المناطـق‬
‫اختـاف فـي حـظ الفـرد مـن التعليـم‪ ،‬والثقافـة يحملهـا كل‬       ‫الحضريـة – عشـوائيات وزحـام وتلـوث‪ ...‬إلـخ – تعـود‬
‫أفـ ارد المجتمـع بصـرف النظـر عـن مسـتواهم التعليمـي‪.‬‬          ‫فـي معظمهـا إلـى افتقـاد القـرى للتنميـة بـكل أشـكالها؛‬
                                                               ‫لـذا يضطـر الشـباب الباحـث عـن فـرص عمـل وال ارغـب‬
‫وقـدم إدوارد تايلـور تعريًفـا شـاملاً للثقافـة “هـي ذلـك‬       ‫فـي العيـش حيـاة أفضـل النـزوح للمـدن حيـث الخدمـات‬
‫الـكل المركـب الـذي يشـمل المعتقـدات والمعرفـة واللغـة‬
‫والفنـون والأخـاق والقانـون والعـادات والتقاليـد والقيـم‬                                          ‫وفـرص العمـل‪.‬‬
‫والأعـ ارف‪ ،‬والجوانـب الماديـة الأخـرى كالمـأكل والملبـس‬
‫والمسـكن‪ ،‬ومـا أنتجـه الإنسـان بوصفـه عضـًوا فـي‬               ‫ويصعـب تحقيـ ُق تنميـة ريفيـة مسـتدامة بالتركيـز‬
‫المجتمـع”‪ ،‬كمـا قـام كل مـن كروبـر وكلاكهـون بفحـص‬             ‫علـى النواحـي الاقتصاديـة وتجاهـل النسـق الثقافـي‬
‫وتحليـل مـا يزيـد عـن مائـة وسـتين تعريـف‪ ،‬ووضعـوا‬             ‫للمجتمـع الريفـي‪ ،‬لا سـيما وأن الثقافـة تسـبق الاقتصـاد‬
‫تعريًفـا عا ًّمـا للثقافـة” جميـع مخططـات الحيـاة التـي‬        ‫وتمثـل قـوة للدفـع أو حجـر للعثـرة‪ ،‬وتنفيـذ مشـروعات‬
‫تكونـت علـى مـدى التاريـخ‪ ،‬بمـا فـي ذلـك المخططـات‬             ‫تنمويـة حديثـة ومتطـورة فـي القريـة غيـر كاف لضمـان‬
‫الصريحـة والضمنيـة وغيـر العلنيـة‪ ،‬وهـي موجـودة فـي‬

                                                           ‫‪55‬‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60