Page 65 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 65

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                            ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫يـدرس مـا ينبغـى أن يكـون‪ ،‬وأن المشـكلة الأخلاقيـة‬                    ‫أنـه ليسـت هنـاك نظريـة أخلاقيـة مقبولـة مـن الجميـع(‪.)2‬‬
‫بطبيعتهـا مشـكلة نقديـة تتصـل بأحـكام القيمـة لا‬
‫بأحـكام الواقـع‪ .‬ولمـا كانـت أحـكام القيمـة لا تخلـو مـن‬                                           ‫الأحكام التقويمية‪:‬‬
‫«الذاتيـة»‪ ،‬فقـد اصطبغـت «الأخـاق» بصبغـة فلسـفية‬
‫شـخصية‪ ،‬وأصبـح هـدف كل فيلسـوف أن يتبنـى لنفسـه‬                       ‫ولقـد قـام فلاسـفة الأخـاق – عبـر السـنين – بوضـع‬
‫«مذهًبـا أخلاقًّيـا» جديـًدا يعـارض بـه الأخـاق القائمـة‪،‬‬             ‫العديـد مـن النظريـات الأخلاقيـة المتباينـة‪ .‬كل واحـدة‬
‫ويحـاول مـن و ارئـه أن ُيشـِّرَع لغيـره مـن النـاس‪ .‬ولـم يلبـث‬        ‫منهـا تتضمـن نو ًعـا محـدًدا مـن المعاييـر الأخلاقيـة‪ .‬كمـا‬
‫الفلاسفة أن نسوا أو تناسوا أن هناك «حقيقة أخلاقية»‬                    ‫تكمـن قـوة أي منهـا فـي أنهـا تسـتند إلـى معيـار أخلاقـي‬
‫توجـد فـى اسـتقلال عـن أحكامهـم التقويميـة‪ ،‬وأن هـذه‬                  ‫شـرعي يحتـاج إليـه المـرء أشـد الاحتيـاج حيـن ُيواجـه‬
‫«الحقيقـة» تتمثـل بوضـوح فـى القواعـد التـى يأخـذ بهـا‬                ‫بحـالات واقعيـة‪ .‬ولكـن الصعوبـة التـي تنطـوي عليهـا‬
‫النـاس أنفسـهم فـى سـلوكهم العـادى‪ ،‬دون أن يحفلـوا‬                    ‫تلـك النظريـات هـي صعوبـة مزدوجـة‪ :‬الجانـب الأول‬
                                                                      ‫منهـا داخلـي‪ ،‬يتمثـل فـي إخفاقهـا فـي أن توضـح بمـا فيـه‬
     ‫بـآ ارء الفلاسـفة النظريـة ومذاهبهـم الأخلاقيـة(‪.)4‬‬              ‫الكفايـة المعاييـر الأخلاقيـة التـي تسـتند إليهـا‪ .‬والجانـب‬
                                                                      ‫الآخـر والأكثـر أهميـة وصعوبـة هـو أن ك َّل نظريـ ٍة‬
                         ‫معنى القيم الإنسانية‪:‬‬                        ‫مـن تلـك النظريـات منكفئـة علـى نفسـها وغيـر قـادرة‬
                                                                      ‫علـى تفسـير الأمثلـة المعاكسـة والمسـتندة ص ارحـ ًة علـى‬
‫ولكـن مـاذا نعنـي بالقيـم الإنسـانية؟ أولاً وقبـل كل‬                  ‫معاييـر أخلاقيـة مختلفـة‪ .‬إن الأمثلـة المعاكسـة هـي‬
‫شـيء‪ ،‬هـى ُمثُـ ٌل معينـة نقدرهـا حـق قدرهـا‪ ،‬ونـود‬                   ‫التحـدي الـذي يواجـه النفعييـن ‪ Utilitarians‬لأن معيـاَر‬
‫امتلاكها ونسـعى إلى تحقيقها بوصفها خيًار‪ ،‬كما ننظر‬                    ‫احتـ ارم حقـوق الإنسـان – كمثـال معاكـس – قـد ينتـج‬
‫إليهـا بوصفهـا أهداًفـا ثابتـة لحياتنـا‪ .‬ثانًيـا‪ :‬إننـا لا نـدرج‬      ‫خيـًار عظي ًمـا‪ .‬كمـا أن الأمثلـة المعاكسـة‪ ،‬التـي تضـع‬
‫احتياجاتنـا الطبيعيـة ضمـن تصورنـا للقيـم‪ ،‬مهمـا كان‬                  ‫فـي اعتبارهـا نتائـج الأفعـال أو الحقـوق الفرديـة‪ ،‬إنمـا‬
‫تقديرنـا لهـذه الاحتياجـات‪ ،‬واضط اررنـا الدائـم لإشـباعها‬             ‫تمثـل تحدًيـا أي ًضـا لنظريـات الفضائـل‪ .‬الاعت ارضـات‬
‫مـن أجـل اسـتم اررنا أحيـا ًء‪ .‬ومـن الإنصـاف القـول‪:‬‬                  ‫التـي عـادةً مـا توجـه إلـى النظريـات التقليديـة يمكـن‬
‫إن مفهـوم القيـم إنمـا يتعلـق بذلـك الجانـب مـن أهدافنـا‬              ‫التعبيـر عنهـا علـي النحـو التالـي‪ :‬النظريـات الأخلاقيـة‬
‫الـذى لا يرمـي مباشـرةً إلـى بقائنـا علـى قيـد الحيـاة‪ .‬إننـا‬         ‫تكـون غيـر صحيحـة بسـبب إخفاقهـا فـي وضـع المعاييـر‬
‫نطلـق علـى هـذا الجانـب اسـم «الحيـاة الروحيـة» ‪Life‬‬
‫‪ ،Spiritual‬علـى عكـس الجانـب الآخـر الـذى لا يمكـن‬                                     ‫الأخلاقيـة الأخـري فـي اعتبارهـا(‪.)3‬‬

             ‫وصفـه إلا بأنـه طبيعـى أو بيولوجـي(‪.)5‬‬                   ‫وقـد بقيـت «الأخـاق» إلـى عهـد قريـب مبحثًـا‬
                                                                      ‫فلسـفًّيا يتداولـه الفلاسـفة ويخـوض فيـه علمـاء الأخـاق‬
                  ‫النظريات الأخلاقية المعاصرة‪:‬‬                        ‫التقليديـة بوصفـه «عل ًمـا معيا ّرًيـا» يقـوم علـى الأحـكام‬
                                                                      ‫التقويميـة‪ .‬وقـد قـام الفلاسـفة بإدخـال «الأخـاق» ضمـن‬
‫ولكـي نفهـم جيـًدا النظريـات الأخلاقيـة المعاصـرة‬                     ‫علومهـم المعياريـة الأخـرى (المنطـق وعلـم الجمـال)‪.‬‬
‫وتطبيقاتهـا‪ ،‬فإنـه مـن المفيـد أن نقـدم المفاهيـم التـي تمثل‬          ‫وكانـت حجتهـم فـي ذلـك أن «الأخـاق» علـم عقلـي‬
‫مفتا ًحـا للفلسـفة الخلقيـة‪ .‬فـكل شـخص فـي المجتمـع لديـه‬

                                                                  ‫‪65‬‬
   60   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70