Page 67 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 67

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                          ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫لممارسـة حياتهـا المعتـادة مـرًة أخـرى‪ .‬إنهمـا علـى يقيـن‬           ‫التـي تسـببها لهـم‪ ،‬كانـوا فـي حيـرة بيـن أمريـن أحلاهمـا‬
‫بأنـه لـو أُ ْحِسـنت رعايتهـا صحًّيـا لبقيـت علـى قيـد الحيـاة‬      ‫مـر‪ :‬هـل يحترمـون رغبتهـا ويتركونهـا تمـوت؟ أم ينبغـي‬
‫مـدة طويلـة‪ .‬إن الأمـل يحدوهمـا فـي أن تحـدث طفـرة‬                  ‫عليهـم أن يجبروهـا علـى الأكل؟ وفـي الوقـت ذاتـه كان‬
‫فـي مجـال الطـب تـؤدي إلـى شـفاء ابنتهمـا‪ .‬وقـد ُبِذلـت‬             ‫للسـيدة ‪ A‬بنـات شـعرن بالحيـرة نفسـها فهـن يحببـن الأم‬
‫العديـد مـن المحـاولات لإقناعهمـا بعـدم جـدوى التعلـق‬               ‫حًّبـا ج ًّمـا ويحترمنهـا احت ارًمـا بال ًغـا وليسـت لديهـن النيـة‬
                                                                    ‫لمقاومـة رغبتهـا‪ ،‬لكـن فـي الوقـت نفسـه لا تتمنـى أيـة‬
‫بمثـل هـذه الآمـال‪ ،‬وبـاءت هـذه المحـاولات جميعهـا‬

‫واحـدة منهـن المـوت لأمهـا‪ ،‬وتعتقـد أن الأم إذا أكلـت بالفشـل‪ .‬إن الفريق المعالج للآنسـة ‪ T‬تحدث مرة أخرى‬

‫فسـوف تسـترد عافيتهـا وتعـود إلـى بيتهـا‪ .‬والسـؤال الآن‪ :‬إلـى أسـرتها‪ ،‬وأخبرهـم بضـرورة نقلهـا إلـى المستشـفى‪،‬‬

‫مـا الـذي يمكـن عملـه إ ازء امتنـاع السـيدة ‪ A‬عـن الأكل؟ وقـد كـرر الوالـدان رغبتهمـا فـي أن يتـم معالجـة التلـوث‬

‫الـذى أصـاب ابنتهمـا‪ .‬كيـف يسـتجيب الفريـق المعالـج‬                 ‫وإذا انتقلنـا إلـى حالـة الآنسـة ‪ T‬وهـي أصعـب‬
‫لهـذه الرغبـة المحمومـة ‪ -‬غيـر الواقعيـة ‪ -‬مـن جانـب‬
                                                                    ‫وأسـوأ مـن الحالـة السـابقة‪ .‬فسـنجدها شـابة فـي الثامنـة‬
                                         ‫الوالديـن؟‬
                                                                    ‫والعشـرين مـن عمرهـا وكانـت نزيلـة المستشـفى‪ ،‬ولكـن‬
‫أمـا المشـكلة الآتيـة فهـي تتعلـق بحالـة طفـل حديـث‬                 ‫منـذ عاميـن ونصـف ُو ِض َعـت تحـت الرعايـة الصحيـة‬
‫الـولادة يعانـي مـن مشـكلات قاسـية‪ .‬الطفـل ‪ُ D‬وِلـَد لأم‬            ‫بمنزلهـا‪ .‬كانـت فـي الخامسـة والعشـرين مـن عمرهـا‬
‫فـي السادسـة عشـرة مـن عمرهـا‪ .‬كانـت فتـرة حمـل الأم‬
                                                                    ‫عندمـا أصيـب أرسـها إصابـة بالغـة فـي حـادث د ارجـة‬

‫بخاريـة (موتوسـكل)‪ ،‬ومنـذ ذلـك الحيـن وهـي فـي غيبوبـة لهـذا الطفـل طبيعيـة‪ .‬وكان الطفـل عنـد ولادتـه يبـدو‬

‫كاملـة وعـدم حـ ارك‪ .‬ولا تسـتطيع التنفـس إلا بمسـاعدة عادًّيـا‪ .‬ومـع ذلـك‪ ،‬اكتشـف الأطبـاء أن الطفـل مصـاب‬

‫الأجهـزة الاصطناعيـة‪ ،‬وهنـاك دلائـل علـى وجـود بعـض ‪ D‬بحالـة استسـقاء الدمـاغ ‪Hydranencephaly‬‬

‫الاسـتجابات الصـادرة عـن جـذع المـخ‪ ،‬ممـا يعنـي أن وهـو عيـب خلقـي يصيـب نصـف الدمـاغ‪ .‬ولقـد تـم شـرح‬

‫مخهـا لـم يمـت‪ .‬ومـع ذلـك فقـد اتضـح خـال العاميـن ذلـك بالتفصيـل لـأم ولجـدة الطفـل ليطلعـا علـى الحالـة‪.‬‬

‫والنصـف الماضييـن أن بعـض الوظائـف العليـا للمـخ إن الطاقـم الطبـى يـود ببسـاطة عـدم تزويـد الطفـل ‪D‬‬

‫قـد توقفـت عـن العمـل‪ .‬إن الآنسـة ‪ T‬تعتمـد فـي كل بـأي غـذاء إلـى أن يمـوت‪ .‬وشـعر الأطبـاء بـأن أ َّي‬

‫تدخـل ج ارحـي سـيمنح الطفـل وقتًـا أطـول يعانـي فيـه‬                ‫شـيء علـى عنايـة الممرضـات بهـا‪ ،‬ويتـم بيـن الحيـن‬
‫المزيـد مـن الآلام‪ .‬فـي حيـن أن أمـه المسـكينة تطالـب‬               ‫والآخـر تغييـر موضعهـا علـى السـرير تجنًبـا لإصابـة‬
                                                                    ‫جسـمها بالتقرحـات‪ .‬إنهـا تتغـذى بواسـطة الأنابيـب‪ .‬إنهـا‬
‫بـأن تعـود إلـى المنـزل مـع طفلهـا (الـذي ُي َعـد مـن وجهـة‬         ‫تحتـاج لعـاج طبـي – فـي الأسـاس – لمـا تتعـرض لـه‬
‫نظـر الطـب ميتًـا)‪ .‬إن جـدة الأم التـى مـن المتوقـع أن‬              ‫مـن تلـوث متكـرر يتطلـب عنايـة وعلا ًجـا – دائميـن –‬
‫تتحمـل الجانـب الأعظـم مـن مسـئولية رعايـة الطفـل‪،‬‬
                                                                             ‫بواسـطة مضـادات حيويـة واسـعة المفعـول‪.‬‬
‫وافقـت علـى مـا أوصـى بـه الطاقـم الطبـي المعالـج‪ ،‬فـي‬

‫حيـن أن أم الطفـل رفضـت ذلـك‪ ،‬وأكـدت أنـه مـا ازل‬                   ‫حطمـت الحادثـة التـي وقعـت للآنسـة ‪ T‬قلـب أبويهـا‪،‬‬
‫حًّيـا‪ ،‬وأنهـا ترغـب فـي العـودة بـه إلـى المنـزل كـي تمنحـه‬        ‫فقـد كانـت ابنتهمـا الوحيـدة وكانـا يعتـ ازن بهـا أيمـا اعتـ ازز‬
‫كل مـا لديهـا مـن حـب وحنـان‪ .‬والسـؤال الآن‪ :‬نحقـق‬                  ‫وعج از عن تقبل حقيقة أن ابنتهما لن تتمكن من العودة‬

                         ‫رغبـة مـن‪ :‬الجـدة أم الأم؟‬

                                                                ‫‪67‬‬
   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72