Page 70 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 70

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                                                          ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫افتـ ارض أن هـذه سـمة ضروريـة أو حتـى غالبـة علـى الآخريـن مـن خـال اتفاقـات أو بواسـطة وجـود علاقـات‬

‫كل نظريات الأخلاق‪ .‬إذ علينا أن نتذكر أن الفيلسوف ابتدائيـة معينـة مثـل علاقـة الـزوج – الزوجـة أو علاقـة‬

                    ‫الألمانـي «كانـط» ‪ ،)1804 – 1724( kant‬فـي الوالديـن – الطفـل(‪.)14‬‬

‫وعلـي غـ ارر ذلـك‪ ،‬حرصـت كتابـات أصحـاب مذهـب‬                                                       ‫محاولتـه تأسـيس مبـادئ مجـردة لميتافيزيقـا الأخـاق‬
‫المنفعة ‪ ،Utilitarianism‬أمثال «بنتام»‪Bentham*1‬‬                                                      ‫ذهـب إلـى أنـه يجـب علـى المـرء أن يعامـل الكائنـات‬
‫و»مل» ‪ )1836 – 1773 ( Mill‬على التأكيد بص ارمة‬                                                       ‫العاقلـة علـى أنهـا ذات قيمـة أو جـدارة داخليـة‪ ،‬وليسـت‬
‫أن مـا تقدمـه مـن آ ارء وأفـكار إنمـا يسـاهم فـي صياغـة‬                                             ‫مجـرد أدوات أو موضوعـات ذات قيمـة خارجيـة‪.‬‬
‫القـ ار ارت الأخلاقيـة والسياسـات الاجتماعيـة‪ .‬ويـرى‬                                                ‫وتتضمـن النزعـة الكانطيـة أنـه يجـب عـدم التضحيـة‬
‫أصحـاب هـذا المذهـب أننـا يجـب أن نعمـل بالطريقـة‬                                                   ‫بالأفـ ارد مـن أجـل الخيـر العـام‪ ،‬ذلـك أن لدينـا واجبـات‬
‫التـي تجعلنـا نحقـق أكبـر تـوازن بيـن العواقـب الخيـرة‬                                              ‫خلقيـة عامـة لا تسـتند بدورهـا إلـى نتائـج أفعالنـا‪ ،‬وأن‬
                                                                                                    ‫تكـون الدوافـع هـي التـي تعيننـا فـي الحكـم علـى أخلاقيـة‬

‫‪ /‬الشـريرة (أو المنفعـة) لـكل النـاس‪ .‬وهنـاك نمطـان‬                                                                        ‫السـلوك البشـري(‪.)13‬‬

‫أساسـيان للنزعة النفعية‪ :‬هما نفعية الفعل التي ترى أن‬                                                ‫أمـا نظريـة الحقـوق الطبيعيـة‪ :‬فقـد حرصـت –‬
‫الأفعـال يجـب أن تقـوم علـى أسـاس نسـق مـن المعاييـر‬                                                ‫مثـل النزعـة الكانطيـة ‪ -‬علـى أهميـة الحقـوق الفرديـة‬
‫يحقـق الحـد الأقصـى مـن المنفعـة‪ .‬وطبًقـا للصـورة‬                                                   ‫والحريـات‪ .‬وطبًقـا لهـذه الرؤيـة‪ ،‬فـإن ك َّل النـا ِس لهـم‬
‫الكاريكاتوريـة الشـائعة للنزعـة النفعيـة‪ ،‬فـإن هـذه الرؤيـة‬                                         ‫حقـوق طبيعيـة فـي الحيـاة والحريـة والملكيـة‪ ،‬كمـا أن‬
‫تـرى أن الغايـات تبـرر الوسـائل‪ ،‬وأن الخيـر الـذي يعـود‬                                             ‫ك َّل إنسـا ٍن مسـموح لـه فـي حـدود الخلـق العـام عمـل أي‬
‫علـى الكثيريـن يفـوق وزًنـا وقيمـة الخيـر الـذي يعـود علـى‬                                          ‫شـيء يرغبـه‪ ،‬شـريطة ألا تنتهـك أفعالـه حقـوق الغيـر‪.‬‬
‫الأقليـة‪ .‬ومـع ذلـك‪ ،‬فـإن الصـورة المتطـورة المعقـدة لهـذه‬                                          ‫الحقـوق الخلقيـة العامـة – مـن هـذا المنظـور – يمكـن‬
‫النظريـة يمكنهـا التصـدي لهـذه التضمنـات‪ .‬وبالتالـي‬                                                 ‫أن تشـبه الأو ارق ال اربحـة مـن حيـث إن دعـوى الحقـوق‬
‫فإنـه لـم تكـن بغيـة العديـد مـن الفلاسـفة الذيـن نجحـوا‬
‫فـي إقامـة نظريـات أخلاقيـة كبـرى‪ ،‬تكـون نظرياتهـم‬                                                  ‫المشـروعة مـن الممكـن أن تُ ْسـتَخدم فـي نقـد أي أفعـال‬
‫تصميمـات مجـردة تفسـر لنـا مـا نحـن نعرفـه مـن قبـل‪.‬‬                                                ‫تنتهـك هـذه الحقـوق‪ .‬والواقـع أن هـذه الحقـوق غالًبـا‬
                                                                                                    ‫مـا تسـتخدم بطريقـة سـلبية‪ :‬فالذيـن لديهـم حقـوق لا‬
‫‪ * 1‬بنتـام (جرمـى) ‪ Jeremy Bentham‬فيلسـوف أخـاق ومشـّرع‬                                             ‫يمتلكـون الأشـياء المقـدرة لهـم‪ ،‬لكـن الذيـن ليـس لهـم‬
        ‫إنجليـزى‪ ،‬ومـن دعـاة مذهـب المنفعـة فـى الأخـاق والقانـون‪.‬‬
‫فـى ‪ 6‬يونيـو سـنة‬   ‫‪ُ،1832‬وِلـوَيدقـ فوـمىمذ‪5‬هـ‪1‬بفابلارميـنفرعـةسـنعنةـد‪«8‬ب‪4‬نثـ‪7‬ا‪1‬م»وتعولـفـىى‬
‫أسـاس نفسـى وثيـق‪،‬‬                                                                                  ‫حقـوق يمتلكـون أشـياء قـدرت لهـم‪ .‬هكـذا نجـد الحـق‬
‫هـو أن الإنسـان بطبعـه يسـعى إلـى تحصيـل اللـذة وتجنـب الألـم‪ .‬يقـول‬                                ‫فـي الحيـاة يتضمـن حًّقـا فـي القتـل وليـس حًّقـا فـي‬
‫بنثـام‪« :‬إن الطبيعـة وضعـت بنـى الإنسـان تحـت سـيطرة حاكميـن ذوى‬
‫سـيادة همـا ‪ :‬الألـم واللـذة‪ ...‬وهمـا يحكماننـا فـى كل مـا نفعـل‪ ،‬وفـى كل‬                           ‫الحمايـة مـن المـوت؛ لـذا‪ ،‬فـإن هـذه الرؤيـة أحياًنـا مـا‬
‫مـا نقـول‪ ،‬وفـى كل مـا نفكـر فيـه‪ :‬وكل محاولـة يمكـن أن نبذلهـا مـن‬                                 ‫توصـف بـ»خلـق الحـد الأدنـى» والسـبب فـي ذلـك أنـه‬
‫أجـل التخلـص مـن اسـتعبادهما لنـا لـن تفلـح إلا فـى إثبـات هـذه الحقيقـة‪،‬‬
‫وتوكيدهـا‪ ،‬وربمـا زعـم الإنسـان‪ ،‬بالقـول‪ ،‬رفـض سـلطانهما‪ ،‬أمـا بالفعـل‬
                      ‫وفـى الواقـع فإنـه سـيبقى خاضعـاً لهمـا دائمـاً»‬                              ‫بصـدد هـذا النـوع لا يكـون لدينـا واجبـات خلقيـة عامـة‬
                                                                                                    ‫لأن نسـاعد الآخريـن؛ نحـن نكتسـب الت ازمـات بمسـاعدة‬
‫[انظـر‪ :‬د‪ .‬عبـد الرحمـن بـدوى‪ ،‬موسـوعة الفلسـفة‪ ،‬المؤسسـة العربيـة‬
‫للد ارسات والنشر‪ ،‬الجزء الأول‪ ،‬بيروت‪ ،1984 ،‬ص ص ‪4 – 362‬‬

                                                                                                ‫‪70‬‬
   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75