Page 73 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 73

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                       ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫لإسـبينو از‪ ،‬إن كل هـؤلاء قدمـوا رؤيتهـم الشـاملة عـن‬            ‫الأخلاقيـة ومفاهيمهـا لا بـد مـن الاسـتعانة بوجهـة‬
           ‫الإنسـان والمجتمـع وهـي مقبولـة عقلًّيـا(‪.)20‬‬         ‫النظـر الأخلاقيـة لأحـد النـاس‪ .‬فعلـى سـبيل المثـال‪،‬‬
                                                                 ‫ُيَتّــ َهم الأطبـاء أحياًنـا بأنهـم متسـلطون فـي تعاملهـم مـع‬
‫وباختصار‪ ،‬قام فلاسفة الأخلاق عبر السنين بوضع‬                     ‫مرضاهـم‪ ،‬وهـم يـردون علـى هـذا الاتهـام أحياًنـا بـأن‬
‫العديـد مـن النظريـات الأخلاقيـة المتباينـة‪ .‬كل واحـدة‬           ‫لهـم الحـ َّق فـي ذلـك؛ لأنهـم خبـ ارء فـي هـذا المجـال‬
‫منهـا تتضمـن نو ًعـا محـدًدا مـن المعاييـر الأخلاقيـة‪ .‬كمـا‬      ‫ويعرفـون جيـًدا مصلحـة مرضاهـم‪ .‬إن عمليـة تحليـل‬
‫تكمـن قـوة أى منهـا فـي أنهـا تسـتند إلـى معيـار أخلاقـي‬         ‫المفاهيـم قـد تكـون إحـدى الأدوات المسـاعدة فـي هـذا‬
‫شـرعى يحتـاج إليـه المـرء أشـَّد الاحتيـاج حيـن ُيواجـه‬          ‫المجـال لبيـان المفاهيـم غيـر الواضحـة أو الملتبسـة(‪،)19‬‬
‫بحـالات واقعيـة‪ .‬ولكـن الصعوبـة التـي تنطـوي عليهـا‬              ‫مثـل‪« :‬السـلطة» ‪ ،authority‬و»صاحـب السـلطة»‬
‫تلـك النظريـات هـي صعوبـة مزدوجـة‪ :‬الجانـب الأول‬                 ‫أي «المتسـلط» ‪ ،authoritarian‬و”الخاضع للسـلطة”‬
‫منهـا داخلـي‪ ،‬يتمثـل فـي إخفاقهـم فـي أن يوضحـوا – بمـا‬
‫فيـه الكفايـة – المعاييـر الأخلاقيـة التـي يسـتندون إليهـا‪.‬‬                   ‫‪ ،authoritative‬و”الحقـوق” ‪.rights‬‬
‫ولكـن الجانـب الآخـر والأكثـر أهميـة وصعوبـة هـو أن‬
‫كل نظريـة مـن تلـك النظريـات منكفئـة علـى نفسـها وغيـر‬           ‫يعتـري بعـض اتجاهـات الفلسـفة الأخلاقيـة المعاصـرة‬
‫قـادرة علـى تفسـير الأمثلـة المعاكسـة والمسـتندة ص ارحـ ًة‬       ‫عيـب‪ ،‬يتمثـل لا فـي كونهـا تحليليـة – حيـث إن التحليـل‬
‫على معايير أخلاقية مختلفة‪ .‬إن الأمثلة المعاكسة هي‬                ‫كان إحـدى وظيفتـي الفلسـفة منـذ أفلاطـون – وإنمـا‬
‫التحـدي الـذي يواجـه النفعييـن لأن معيـار احتـ ارم حقـوق‬         ‫فـي أنهـا أغفلـت الوظيفـة الأخـرى وهـي التركيـب‪ .‬إن‬
‫الإنسـان – كمثـال معاكـس – قـد ُينتـج خيـًار عظي ًمـا‪.‬‬           ‫الفيلسـوف فـي أدائـه لهـذه المهمـة التقليديـة إنمـا يتصـرف‬
‫كمـا أن الأمثلـة المعاكسـة‪ ،‬التـي تضـع فـي اعتبارهـا‬             ‫بوصفـه شـاهًدا علـى كل الأزمنـة والأمكنـة‪ .‬معنـى ذلـك‬
‫نتائـج الأفعـال أو الحقـوق الفرديـة‪ ،‬إنمـا تمثـل تحدًيـا‬         ‫أنـه يقـوم بتقديـم رؤيـة شـاملة عـن الطبيعـة الإنسـانية فـي‬
‫أي ًضـا لنظريـات الفضائـل‪ .‬الاعت ارضـات التـي عـادةً مـا‬         ‫مكانها المحدد مقارن ًة بالأشياء‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬لم ينظر‬
‫توجـه إلـى النظريـات التقليديـة يمكـن التعبيـر عنهـا علـى‬        ‫كبـار الفلاسـفة فـي الماضـي إلـى الطبيعـة البشـرية كمـا‬
‫النحـو التالـي‪ :‬النظريـات الأخلاقيـة تكـون غيـر صحيحـة‬           ‫لـو كانـت منقسـمة إلـى مـا هـو جسـدي وعقلـي واجتماعـي‬
‫بسـبب إخفاقهـا فـي وضـع المعاييـر الأخلاقيـة الأخـرى‬             ‫وأخلاقـي وسياسـي واقتصـادي وجمالـي ‪ ...‬إلـخ‪ .‬ولـم‬
‫فـي اعتبارهـا(‪ .)21‬ومـن ثـَّم علينـا ألا نحـاول أخـذ معيـار‬      ‫ُيقسـموا أبحاثهـم بمثـل هـذا الحـرص – الـذي نحـن عليـه‬
‫أخلاقـي واحـد مـن نظريـة مـا واسـتخدامه كأسـاس لـكل‬              ‫الآن – إلى هذا التخصص الدقيق أو ذاك‪ .‬بل بالأحرى‪،‬‬
‫سـلوك أخلاقـي‪ ،‬إن اسـتخدام معاييـر أخلاقيـة أخـرى‬                ‫قدمـوا نظـرة كليـة وشـاملة للإنسـان؛ مجتمعـه ومغـزى‬
‫يمكـن اسـتخلاصها طالمـا كانـت مبنيـة علـى معاييـر‬                ‫حياتـه‪ ،‬كانـت الرؤيـة التركيبيـة متأصلـة فـي الماضـي‬
‫أخلاقيـة أساسـية‪ .‬وبالأحـرى‪ ،‬فإنـه يجـب علينـا النظـر‬            ‫فـي الأعمـال الفلسـفية ال ارئعـة‪ ،‬مثـل‪“ :‬الجمهوريـة”‬
‫إلى كل نظرية من هذه النظريات بوصفها على صواب‬                     ‫‪ Republic‬لأفلاطون‪ ،‬و”الأخلاق” ‪ Ethics‬لأرسـطو‪،‬‬
                                                                 ‫و”التنيـن” ‪ Leviathan‬لـ”هوبـز”‪ ،‬و”الأخـاق” ‪Ethics‬‬

                                                             ‫‪73‬‬
   68   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78