Page 4 - باب القيم بين النسبي والمطلق-مسألة الفن/الجمال والحقيقة
P. 4
ُ
ُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُالأستاذ :عبدالصمد حمدي
المحاكاة ُالتي ُمن ُواجبنا ُاعتبارها ُمختلفة ُعن ُالعلمُ /المعرفة ُوالجهل/الظنُ .وهنا ُيتو ّجهُ
صاحب ُمؤلف ُ"الجمهور ّية" ُبالمعاتبة ُلمن ُينخدعون ُبالفن ُلتقصيرهم ُفي ُالإحتكام ُإلىُ
عقولهمُالتيُتجعلهمُيدركونُدائماُأنُحقيقةُالأشياءُفيُعالمُالمثلُ،وأنُالأشياءُكماُتبدوُ
لناُمظاهرُلحقائقهاُالمثال ّيةُالخالدةُالأزل ّيةُالتيُلاُيعتريهاُالفسادُوالتغ ّيرُمطلقاُ،ثمُإنُماُ
يصلنا ُعبر ُالفن ُرسما ُكانُ ،أو ُشعراُ ،أو ُموسيقىُ ،ما ُهو ُإلاُّ ُنسخة ُومحاكاة ُلمظاهرُ
الأشياءُكماُتبدولناُ،وبالتاليُفهوُ"عملُينتميُإلىُالمرتبةُالثالثةُبالنسبةُإلىُالحقيقة"ُُ.
أ ّما ُ"أرسطو"ُ ،فإ ّنه ُلا ُينأى ُبالفن ُعن ُالمنزلة ُالتي ُح ّددها ُ"أفلاطون"ُ ،بل ُإ ّنه ُيؤكد ُأنُ
المحاكاة ُالتي ُهي ُال ُّسمة ُالرسم ّية ُللفنُ ،تمثل ُغريزة ُإنسان ّية ُتع ّبر ُعن ُالرغبة ُفي ُالتل ّذذُ
بالقدرة ُعلى ُالتفليد ُوتجعلنا ُنسعى ُإلى ُالبراعة ُفي ُالمحاكاة ُبشكل ُمتواصلُ .ولع ّل ُشكلُ
سعيناُإلىُمحاكاةُالألحانُوالإيقاعاتُهوُماُولّدُالشعرُالذيُكانُالناسُيعتقدونُأنهُضربُ
من ُالحكمة ُالفريدة ُالتي ُيخت ّص ُبها ُصا ّفة ُالأقوامُ .يقول ُ"أرسطو" ُفي ُذلك"ُ :المحاكاةُ
غريزةُفيُالإنسانُتظهرُفيهُمنذُالطفولة...كماُأنُالناسُيجدونُلذةُفيُالمحاكاةُ.والشاهدُُ
علىُهذاُ،ماُيجريُفيُالواقعُ:فالكائناتُالتيُتقتحمهاُالعينُحينماُتراهاُفيُالطبيعةُتل ّذُلهاُ
مشاهدتها ُمص ّورة ُإذا ُأحكم ُتصويرها"ُ .وإذا ُكانت ُالمحاكاة ُبهذا ُالمعنى ُتع ّبر ُعن ُاللذةُ،
فليسُمعنىُذلكُأنهاُتع ّبرُعنُالحقيقةُالتيُتتح ّددُبشكلُمختلفُتماماُ.إذُ،هلُالشعرُهوُ
الشيء ُالذي ُيص ّوره ُالشعر؟ُ ،وهل ُتقليد ُأصوات ُالعصافير ُهو ُحقيقة ُأصوات ُالعصافيرُ
فعلا؟ُ.لذلكُ،يكونُمنُالجل ّيُأنُنستخلصُ،بأنُالفنُحينماُيتح ّددُفيُشكلُمحاكاةُ،يفتقدُ
دلالتهُالجمال ّيةُالتيُينبنيُعليهاُعادةُ،ويكونُبمنأىُعنُالحقيقةُ.فيصبحُضرباُمنُالتهريجُ
أوُشكلا ُمنُالمغالطةُالتي ُتستدعيُالتقويمُوالإدانةُالمعرف ّيةُ.وقدُاتخذُالفنُمنزلةُدون ّيةُ
علىُمدىُالعصورُالوسيطةُالتيُمثلتُعصورُسلطةُالأديانُ،ور ّبماُيعودُالكثيرُفيُذلكُ،
إلى ُهذا ُالتحقير ُالذي ُوفره ُكل ُمن ُ"أفلاطون" ُو ُ"أرسطو" ُعلى ُطبق ُمن ُذهب ُلضربُ
الإبداعُوإعلاءُسلطةُالحقيقةُالدين ّيةُالمقدسةُالتيُلاُتطالهاُالأعمالُالناقصةُ.ولكنُالفنُ،
ضمن ُعصر ُالنهضة ُالأروب ّية ُشكل ُرافدا ُمن ُروافد ُالقطع ُمع ُسلطة ُالحقيقة ُالدينيةُ
وإطلاقيتهاُ ،وسبيلا ُلتحرير ُالذات ُوفتح ُأفاق ُالوجود ُالأفضل ُمثلما ُنجد ُفي ُأعمالُ
"إيراسموس"ُو"كانبانيلا"ُالمبدعانُفيُمدرسةُفلورنساُ،كماُيعرضُلهاُ"أرنستُكاسيرار"ُ
وكماُيؤ ّكدُأنُتص ّوراتهاُالجديدةُللفنُستكونُسبباُمنُأسبابُنهضةُالغربُ.وهوُماُأسسُ
لتص ّورُمختلفُعنُالفنُ،الذيُيعتبرهُ"كانط"ُأنهُجديراُبالتعبيرُعنُالحقيقةُالفن ّيةُفيُذاتهاُ
كحقيقةُفريدةُومتم ّيزةُلايت ّمُتقييمهاُعبرُالرجوعُإلىُحقائقُمنُخارجهاُ.
-ص - 10