Page 170 - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ
P. 170

‫‪ ،00‬هل ئلظ!ا ‪ 4‬اهة الاسلا!‬       ‫‪017‬‬

‫للعيش عند المسلمين في قرطبة بكل‬  ‫الأندلس ‪ ،‬فتوافد اليهود والنصارى المضطهدون‬

‫أمان وحرية ‪ ،‬وتقاطر العلماء المسلمون من أرجاء البلدان الإسلامية إليها‪ ،‬فأصبحت‬

‫قرطبة ثاني أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان (بعد بغداد حاضرة العباسيين )‪،‬‬
       ‫وبُني في قرطبة ثلاثة اَلاف مسجد‪ ،‬وازدهر العلم ‪ ،‬وتطورت فنون البناء‪ ،‬وصُممت‬

     ‫الخدائق بأشكال هندسية عجيبة ‪ ،‬ولأول مرةً في تاريخ الإنسانية أصبحت قرطبة حاضرة‬
    ‫المنصور أول مدينة في العالم تنار كل سوارعها ليلأ‪ ،‬فكانت قرطبة الإسلامية كالجوهرة‬

 ‫المضيئة في ظلمات أوروبا الغارقة في الجهل والظلام ‪ ،‬فأرسل الأوروبيون البعثات‬
‫العلمية لبلاد المسلمين ‪ ،‬ولأول مرة في أوروبا ظهرت المستشفيات والمكتبات العامة في‬
 ‫أرجاء الدولة الإسلامية ‪ ،‬وبنى الخليفة عبد الرحمن مدينة "الزهراء"‪ ،‬والتي اعتُبرت‬

   ‫أجمل مدينة في العالم ‪ ،‬فلقد بناها علماء المسلمون بطريقة عجيبة ‪ ،‬وهي مدينة فوق‬
‫مدينة ‪ ،‬سطح الثلث الأعلى على الحد الأوسط ‪ ،‬وسطح الثلث الأوسط على الثلث‬

   ‫الأسفل ‪ ،‬وكل ثلث منها له سور‪ ،‬فكان الحد الأعلى منها قصورًا يعجز الواصفون عن‬

 ‫وصفها‪ ،‬والحد الأوسط بساتين وروضات ‪ ،‬والحد الأسفل فيه الديار والجامع ‪ ،‬وبنيت‬
‫بمدينة قرطبة القنطرة العجيبة التي فاقت قناطر الدنيا حسنًا وإتقانًا‪ ،‬فكثرت الأموال‬

  ‫واتسع نطاق الخدمات ‪ ،‬والعلاج المجاني ‪ ،‬وانتشر التعليم المجاني ‪ ،‬بل إن طالبي العلم‬

‫كان يُخصص لهم راتب سهري ‪ ،‬ولأول مرة في تاريخ الانسانية أدخل المسلمون نظام‬
‫الرعاية للمسنين ‪ ،‬فبنيت دور للعجزة ‪ ،‬ووُظّف فيها من يقوم بخدمتهم ‪ ،‬وبنيت دور لرعاية‬

     ‫الحيوانات ‪ ،‬وأقيمت المصانع العسكرية ‪ ،‬والموانئ البحرية ‪ ،‬وازدهرت الصناعات‬

   ‫الحديثة في أرجاء الخلافة في عهد الناصر‪ ،‬وامتلك المسلمون أقوى جيسٍ عرلمحته أوروبا‬
‫في القرون الوسطى ‪ ،‬فجاءت وفود ملوك أوروبا من كل حدب وصوب بالهدايا الثمينة‬

                                                                             ‫وبأموال الجزية إلى الخليفة الناصر في قرطبة‪.‬‬
 ‫العجيب أن هذا كان وضع الأندلس قبل عهد ملوك الطوائف بسنوات قليلة ‪ ،‬وإذا‬

     ‫كنت تتساءل كيف تحول حال المسلمين في الأندلس إلى تلك الحالة المزرية بعد ذلك‬
   ‫حتى صاروا يدفعون الجزية لألفولْسو‪ ،‬فاعلم أن العجب كل العجب يكمن في حال‬

      ‫المسلمين قبل ظهور هذا البطل الإسلامي على الساحة الأندلسية ‪ ،‬فلقد وصلت‬
   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175