Page 14 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 14

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

‫لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعھم‪ ،‬مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي‬
‫ذر واخوانھم‪ ،‬أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في‬

                                                                                         ‫البساطة‪..‬‬
‫فھا نحن أمام رجل من فارس‪ ..‬بلاد البذخ والترف والمدنية‪ ،‬ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس‪ .‬ما‬

         ‫باله يرفض ھذا المال والثروة والنعيم‪ ،‬ويصر أن يكتفي في يومه بدرھم يكسبه من عمل يده‪..‬؟‬
                                                          ‫ما باله يرفض اامارة ويھرب منھا ويقول‪:‬‬

                                  ‫"ان استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل‪."..‬‬
‫ما باله يھرب من الامارة والمنصب‪ ،‬الا أن تكون امارة على سريّة ذاھبة الى الجھاد‪ ..‬والا أن تكون في‬

                           ‫ظروف لا يصلح لھا سواه‪ ،‬فيكره عليھا اكراھا‪ ،‬ويمضي اليھا باكيا وجلا‪..‬؟‬
                 ‫ثم ما باله حين يلي على الامارة المفروضة عليه فرضا يأبى أنيأخذ عطاءھا الحلال‪..‬؟؟‬

                                                                 ‫روى ھشام عن حسان عن الحسن‪:‬‬
‫" كان عطاء سلمان خمسة آلاف‪ ،‬وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفھا‪،‬‬

                                                                                  ‫ويلبس نصفھا‪"..‬‬
                                             ‫"وكان اذا خرج عطاؤه أمضاه‪ ،‬ويأكل من عمل يديه‪."..‬‬
      ‫ما باله يصنع كل ھذا الصنيع‪ ،‬ويزھد كل ذلك الزھد‪ ،‬وه الفارسي‪ ،‬ابن النعمة‪ ،‬وربيب الحضارة‪..‬؟‬
            ‫لنستمع الجواب منه‪ .‬وھو على فراش الموت‪ .‬تتھيأ روحه العظيمة للقاء ربھا العلي الرحيم‪.‬‬

                                                  ‫دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان‪..‬‬
   ‫قال له سعد‪ ":‬ما يبكيك يا أبا عبد ﷲ‪..‬؟ لقد توفي رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھو عنك راض"‪.‬‬

                                                                                    ‫فأجابه سلمان‪:‬‬
‫" وﷲ ما أبكي جزعا من الموت‪ ،‬ولاحرصا على الدنيا‪ ،‬ولكن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عھد الينا‬

                  ‫عھدا‪ ،‬فقال‪ :‬ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب‪ ،‬وھأنذا حولي ھذه الأساود"!!‬

                                                                     ‫يعني بالأساود الأشياء الكثيرة!‬
‫قال سعد فنظرت‪ ،‬فلم أرى حوله الا جفنة ومطھرة‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أبا عبدﷲ اعھد الينا بعھد نأخذه عنك‪،‬‬

                                                                                             ‫فقال‪:‬‬
                                                                                         ‫" يا سعد‪:‬‬
                                                                     ‫اذكر عند ﷲ ھ ّمتك اذا ھممت‪..‬‬
                                                                           ‫وعند حكمتك اذا حكمت‪..‬‬
                                                                            ‫وعند يدك اذا قسمت‪"..‬‬

‫ھذا ھو اذن الذي ملأ نفسه غنى‪ ،‬بقدر ما ملأھا عزوفا عن الدنيا بأموالھا‪ ،‬ومناصبھا وجاھھا‪ ..‬عھد‬
‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم اليه والى أصحابه جميعا‪ :‬ألا يدعو الدنيا تتملكھم‪ ،‬وألا يأخذ أحدھم منھا‬

                                                                                ‫الا مثل زاد الركب‪..‬‬
‫ولقد حفظ سلمان العھد ومع ھذا فقد ھطلت دموعه حين رأى روحه تتھيأ للرحيل‪ ،‬مخافة أن يكون قد‬

                                                                                      ‫جاوز المدى‪.‬‬
             ‫ليس حوله الا جفنة يأكل فيھا‪ ،‬ومطھرة يشرب منھا ويتوضأ ومع ھذا يحسب نفسه مترفا‪..‬‬

                                                                ‫‪14‬‬
   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19