Page 15 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 15

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

                                                                 ‫ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر‪..‬؟‬

‫وفي الأيام التي كان فيھا أميرا على المدائن‪ ،‬لم يتغير من حاله شيء‪ .‬فقد رفض أن يناله من مكافأة‬
   ‫الامارة درھم‪ ..‬وظل يأكل من عمل الخوص‪ ..‬ولباسه ليس الا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعھا‪..‬‬
                     ‫وذات يوم وھو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر‪..‬‬

‫كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه‪ ،‬فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائھم‪ ،‬حتى بدا له‬
                             ‫أن يضع الحمل على كاھله‪ ،‬حتى اذا أبلغه وجھته أعطاه شيئا نظير حمله‪..‬‬

                        ‫وأشار للرجل فأقبل عليه‪ ،‬وقال له الشامي‪ :‬احمل عني ھذا‪ ..‬فحمله ومضيا معا‪.‬‬
       ‫واذ ھما على الطريق بلغا جماعة من الانس‪ ،‬فسلم عليھم‪ ،‬فأجابوا واقفين‪ :‬وعلى الأمير السلام‪..‬‬

                                                                             ‫وعلى الأمير السلام‪..‬؟‬
                                                                                ‫أي أمير يعنون‪..‬؟!!‬

                                                                           ‫ھكذا سأل الشامي نفسه‪..‬‬
                     ‫ولقد زادت دھشته حين رأى بعض ھؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين‪:‬‬

                                                                                ‫عنك أيھا الأمير‪!!..‬‬
‫فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي‪ ،‬فسقط في يده‪ ،‬وھربت كلمات الاعتذار والأسف من بين‬

                               ‫شفتيه‪ ،‬واقترب ينتزع الحمل‪ .‬ولكن سلمان ھز رأسه رافضا وھو يقول‪:‬‬
                                                                       ‫" لا‪ ،‬حتى أبلغك منزلك"‪!!..‬‬

                                               ‫**‬

                                                     ‫سئل يوما‪ :‬ما الذي يبغض الامارة الى نفسك‪.‬؟‬
                                                       ‫فأجاب‪ " :‬حلاوة رضاعھا‪ ،‬ومرارة فطامھا"‪..‬‬
                                               ‫ويدخل عليه صاحبه يوما بيته‪ ،‬فاذا ھو يعجن‪ ،‬فيسأله‪:‬‬

                                                                                      ‫أين الخادم‪..‬؟‬
                                                                                      ‫فيجيبه قائلا‪:‬‬
                                            ‫" لقد بعثناھا في حاجة‪ ،‬فكرھنا أن نجمع عليھا عملين‪"..‬‬

‫وحين نقول بيته فلنذكر تماما‪ ،‬ماذا كان ذاك البيت‪..‬؟ فحين ھ ّم سلمان ببناء ھذا الذي يس ّمى مع التج ّوز‬
                                                                    ‫بيتا‪ ،‬سأل البنّاء‪ :‬كيف ستبنيه‪..‬؟‬

‫وكان البنّاء حصيفا ذكيا‪ ،‬يعرف زھد سلمان وورعه‪ ..‬فأجابه قائلا‪ ":‬لا تخف‪ ..‬انھا بناية تستظل بھا من‬
      ‫الحر‪ ،‬وتسكن فيھا من البرد‪ ،‬اذا وقفت فيھا أصابت رأسك‪ ،‬واذا اضطجعت فيھا أصابت رجلك"‪!..‬‬
                                                                ‫فقال له سلمان‪" :‬نعم ھكذا فاصنع"‪.‬‬

‫لم يكن ھناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن اليه سلمان لحظة‪ ،‬أو تتعلق به نفسه اثارة‪ ،‬الا‬
‫شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص‪ ،‬ولقد ائتمن عليه زوجته‪ ،‬وطلب اليھا أن تخفيه في مكان بعيد‬

                                                                                            ‫وأمين‪.‬‬

                                                                ‫‪15‬‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20