Page 223 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 223

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

                                               ‫**‬

                              ‫احتطّ عتبة مكان الأبلّة مدينة البصرة‪ ،‬وع ّمرھا وبنى مسجدھا العظيم‪..‬‬
            ‫وأراد أن يغادر البلاد عائدا الى المدينة‪ ،‬ھاربا من الامارة‪ ،‬لكن أمير المؤمنين أمره بالبقاء‪..‬‬
 ‫ولبث عتبة مكانه يصلي بالناس‪ ،‬ويفقھھم في دينھم‪ ،‬ويحكم بينھم بالعدل‪ ،‬ويضرب لھم أروع المثل في‬

                                                                         ‫الزھد والورع والبساطة‪...‬‬
       ‫ووقف يحارب الترف والسرف بكل قواه حتى ضجره الذين كانوا تستھويھم المناعم والشھوات‪..‬‬

                                                                 ‫ھنالك وقف عتبة فيھم خطيبا فقال‪:‬‬
    ‫" وﷲ‪ ،‬لقد رأيتني مع رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم سابع سبعة ومالنا طعام الا ورق الشجر حتى‬

                                                                                   ‫قرحت أشداقنا‪..‬‬
        ‫ولقد رزقت يوما بردة‪ ،‬فشققتھا نصفين‪ ،‬أعطيت نصفھا سعد بن مالك‪ ،‬ولبست نصفھا الآخر"‪..‬‬

                                               ‫**‬

 ‫كان عتبة يخاف الدنيا على دينه أشد الخوف‪ ،‬وكان يخافھا على المسلمين‪ ،‬فراح يحملھم على القناعة‬
                                                                                         ‫والشظف‪.‬‬

    ‫وحاول الكثيرون أن يح ّولوه عن نھجه‪ ،‬ويثيروا في نفسه الشعور بالامارة‪ ،‬وبما للامارة من حق‪ ،‬لا‬
‫سيما في تلك البلاد التي لم تتعود من قبل أمراء من ھذا اطراز المتقشف الزاھد‪ ،‬والتي تعود أھلھا احترام‬

                                                ‫المظاھر المتعالية المزھ ّوة‪ ..‬فكان عتبة يجيبھم قائلا‪:‬‬
                                    ‫" اني أعوذ با أن أكون في دنياكم عظيما‪ ،‬وعند ﷲ صغيرا"‪!..‬‬
           ‫ولما رأى الضيق على وجوه الناس بسبب صرامته في حملھم على الجا ّدة والقناعة قال لھم‪:‬‬

                                                                  ‫" غدا ترون الأمراء من بعدي"‪..‬‬
‫وجاء موسم الحج‪ ،‬فاستخلف على البصرة أحد اخوانه وخرج حاجا‪ .‬ولما قضى حجه‪ ،‬سافر الى المدينة‪،‬‬

                                                        ‫وھناك سأل أمير المؤمنين أن يعفيه الامارة‪..‬‬
    ‫لكن عمر لم يكن يف ّرط في ھذا الطراز الجليل من الزاھدين الھاربين مما يسيل له لعاب البشر جميعا‪.‬‬

                                                                                   ‫وكان يقول لھم‪:‬‬
                                                                    ‫" تضعون أماناتكم فوق عنقي‪..‬‬

                                                                              ‫ثم تتركوني وحدي‪..‬؟‬
                                                                         ‫لا وﷲ لا أعفكيم أبدا"‪!!..‬‬
                                                                        ‫وھكذا قال لـ عتبة لغزوان‪..‬‬
                  ‫ولما لم يكن في وسع عتبة الا الطاعة‪ ،‬فقد استقبل راحلته ليركبھا راجعا الى البصرة‪.‬‬
 ‫لكنه قبل أن يعلو ظھرھا‪ ،‬استقبل القبلة‪ ،‬ورفع كفّيه الضارعتين الى السماء ودعا ربه عز وجل ألا ير ّده‬
                                                                  ‫الى البصرة‪ ،‬ولا الى الامارة أبدا‪..‬‬

                                                                                 ‫واستجيب دعاؤه‪..‬‬
                                                      ‫فبينما ھو في طريقه الى ولايته أدركه الموت‪..‬‬
                                               ‫وفاضت روحه الى بارئھا‪ ،‬مغتبطة بما بذلت وأعطت‪..‬‬

                                                               ‫‪223‬‬
   218   219   220   221   222   223   224   225   226   227   228