Page 280 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 280

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

   ‫ذھب الحجاج على رأس جيشه ومرتزقته لغزومكة عاصمة ابن الزبير‪ ،‬وحاصرھا وأھلھا قرابة ستة‬
      ‫أشھر مانعا عن الناس الماء والطعام‪ ،‬كي يحملھم على ترك عبدﷲ بن الزبير وحيدا‪ ،‬بلا جيش ولا‬
                                                                                           ‫أعوان‪.‬‬

   ‫وتحت وطأة الجوع القاتل استسلم الأكثرون‪ ،‬ووجد عبدﷲ نفسه‪ ،‬وحيدا أو يكاد‪ ،‬وعلى الرغم من أن‬
‫فرص النجاة بنفسه وبحياته كانت لا تزال مھيأة له‪ ،‬فقد قرر أن يحمل مسؤوليته الى النھاية‪ ،‬وراح يقاتل‬

                            ‫جيش الحجاج في شجاعة أسطورية‪ ،‬وھو يومئذ في السبعين من عمره‪!!..‬‬
      ‫ولن نبصر صورة أمينةلذلك الموقف الفذ الا اذا اصغينا للحوار الذي دار بين عبدﷲ وأمه‪ .‬العظيمة‬

                                      ‫المجيدة أسماء بنت أبي بكر في تلك الساعات الأخيرة من حياته‪.‬‬
            ‫لقد ذھب اليھا‪ ،‬ووضع أمامھا صورة دقيقة لموقفه‪ ،‬وللمصير الذي بدأ واضحا أنه ينتظره‪..‬‬

                                                                                   ‫قالت له أسماء‪:‬‬
    ‫" يا بن ّي‪ :‬أنت أعلم بنفسك‪ ،‬ان كنت تعلم أنك على حق‪ ،‬وتدعو الى حق‪ ،‬فاصبر عليه حتى تموت في‬

                                                        ‫سبيله‪ ،‬ولا تم ّكن من رقبتك غلمان بني أميّة‪..‬‬
                   ‫وان كنت تعلم أنك أردت الدنيا‪ ،‬فلبئس العبد أنت‪ ،‬أھلكت نفسك وأھلكت من قتل معك‪.‬‬

                                                                                       ‫قل عبد ﷲ‪:‬‬
                                                      ‫" وﷲ يا أ ّماھٮما أردت الدنيا‪ ،‬ولا ركنت اليھا‪.‬‬
                                                  ‫وما جرت في حكم ﷲ أبدا‪ ،‬ولا ظلمت ولا غدرت"‪..‬‬

                                                                                  ‫قالت أمه أسماء‪:‬‬
                                ‫" اني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا ان سبقتني الى ﷲ أو سبقتك‪.‬‬
                                ‫اللھم ارحم طول قيامه في الليل‪ ،‬وظمأه في الھواجر‪ ،‬وب ّره بأبيه وبي‪..‬‬
          ‫اللھم اني اسلمته لأمرك فيه‪ ،‬ورضيت بما قضيت‪ ،‬فأثبني في عبدﷲ بن الزبير ثواب الصابرين‬

                                                                                      ‫الشاكرين‪"!.‬‬
                                                                   ‫وتبادلا معا عناق الوداع وتحيته‪.‬‬
  ‫وبعد ساعة من الزمان انقضت في قتال مرير غير متكافئ‪ ،‬تلقى الشھيد العظيم ضربة الموت‪ ،‬في وقت‬
        ‫استأثر الحجاج فيه بكل ما في الأرض من حقارة ولؤم‪ ،‬فأبى الا أن يصلب الجثمان الھامد‪ ،‬تشفيا‬

                                                                                         ‫وخ ّسة‪!!..‬‬

                                               ‫**‬

                         ‫وقامت أمه‪ ،‬وعمره يومئذ سبع وتسعون سنة‪ ،‬قامت لترى ولدھا المصلوب‪.‬‬
                 ‫وكالطود الشامخ وقفت تجاھه لا تريم‪ ..‬واقترب الحجاج منھا في ھوان وذلة قائلا لھا‪:‬‬
               ‫يا أماه‪ ،‬ان أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا‪ ،‬فھل لك من حاجة‪..‬؟‬

                                                                                  ‫فصاحت به قائلة‪:‬‬
                                                                                   ‫" لست لك بأم‪..‬‬

                                                               ‫انما أنا أم ھذا المصلوب على الثنيّة‪..‬‬
                                                                               ‫وما بي اليكم حاجة‪..‬‬

   ‫ولكني أحدثك حديثا سمعته من رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قال‪ ":‬يخرج من ثقيف كذاب ومبير"‪..‬‬

                                                               ‫‪280‬‬
   275   276   277   278   279   280   281   282   283   284   285