Page 282 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 282

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

‫ثم توالت المناسبات والفرص التي يكرر فيھا الرسول ھذا الدعاء ذاته لابن عمه عبدﷲ بن عباس‪ ..‬وآنئذ‬
                                                          ‫أدرك ابن عباس أنه خلق للعلم‪ ،‬والمعرفة‪.‬‬

                                               ‫وكان استعداده العقلي يدفعه في ھذا الطريق دفعا قويا‪.‬‬

    ‫فعلى الرغم من أنه لم يكن قد جاوز الثالثة عشرة من عمره يوم مات رسول ﷲ‪ ،‬فانه لم يصنع من‬
                             ‫طفولته الواعية يوما دون أن يشھدمجالس الرسول ويحفظ عنه ما يقول‪..‬‬

‫وبعد ذھاب الرسول الى الرفيق الأعلى حرص ابن عباس على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقين ما‬
                                                             ‫فاته سماعه وتعلمه من الرسول نفسه‪..‬‬

 ‫ھنالك‪ ،‬جعل من نفسه علامة استفھام دائمة‪ ..‬فلا يسمع أن فلانا يعرف حكمة‪ ،‬أو يحفظ حديثا‪ ،‬الا سارع‬
                                                                                   ‫اليه وتعلم منه‪..‬‬

 ‫وكان عقله المضيء الطموح يدفعه لفحص كل ما يسمع‪ ..‬فھو لا يغنى بجمع المعرفة فحسب‪ ،‬بل ويغنى‬
                                                             ‫مع جمعھا بفحصھا وفحص مصادرھا‪..‬‬
                                                                                   ‫يقول عن نفسه‪:‬‬

               ‫" ان كنت لأسأل عن الأمر الواحد‪ ،‬ثلاثين من أصحاب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم"‪.‬‬
                                        ‫ويعطينا صورة لحرصه على ادراكه الحقيقة والمعرفة فيقول‪:‬‬

                                    ‫" لما قبض رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قلت لفتى من الأنصار‪:‬‬
                                                    ‫ھل ّم فلنسأل أصحاب رسول ﷲ‪ ،‬فانھم اليوم كثير‪.‬‬

  ‫فقال‪ :‬يا عجبا لك يا بن عباس!! أترى الناس يفتقرون اليك‪ ،‬وفيھم من أصحاب رسول ﷲ من ترى‪..‬؟؟‬
‫فترك ذلك‪ ،‬وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول ﷲ‪ ..‬فان كان ليبلغني الحديث عن الرجل‪ ،‬فآتي اليه وھو قائل‬

     ‫في الظھيرة‪ ،‬فأتو ّسد ردائي على بابه‪ ،‬يسفي الريح عل ّي من التراب‪ ،‬حتى ينتھي من مقيله‪ ،‬ويخرج‬
   ‫فيراني‪ ،‬فيقول‪ :‬يا ابن عم رسول ﷲ ما جاء بك‪..‬؟؟ ھلا أرسلت ال ّي فآتيك‪..‬؟؟ فأقول لا‪ ،‬أنت أحق بأن‬

                                                     ‫أسعى اليك‪ ،‬فأسأله عنه الحديث وأتعلم منه"‪!!..‬‬
      ‫ھكذا راح فتانا العظيم يسأل‪ ،‬ويسأل‪ ،‬ويسأل‪ ..‬ثم يفحص الاجابة مع نفسه‪ ،‬ويناقشھا بعقل جريء‪.‬‬
  ‫وھو في كل يوم‪ ،‬تنمو معارفه‪ ،‬وتنمو حكمته‪ ،‬حتى توفرت له في شبابه الغ ّض حكمة الشيوخ وأناتھم‪،‬‬
‫وحصافتھم‪ ،‬وحتى كان أمير المؤمنين عمر رضي ﷲ عنه يحرص على مشورته في كل أمر كبير‪ ..‬وكان‬

                                                                              ‫يلقبه بفتى الكھول‪!!..‬‬
                                                    ‫سئل ابن عباس يوما‪ ":‬أنّى أصبت ھذا العلم"‪..‬؟‬

                                                                                           ‫فأجاب‪:‬‬
                                                                                    ‫" بلسام سؤل‪..‬‬
                                                                                    ‫وقلب عقول"‪..‬‬
    ‫فبلسانه المتسائل دوما‪ ،‬وبعقله الفاحص أبدا‪ ،‬ثم بتواضعه ودماثة خلقه‪ ،‬صار ابن عباس" حبر ھذه‬

                                                                                            ‫الأمة‪..‬‬
                                                           ‫ويصفه سعد بن أبي وقاص بھذه الكلمات‪:‬‬
              ‫" ما رأيت أحدا أحضر فھما‪ ،‬ولا أكبر لبّا‪ ،‬ولا أكثر علما‪ ،‬ولا أوسع حلما من ابن عباس‪..‬‬
   ‫ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات‪ ،‬وحوله أھل بدر من المھاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس‪ ،‬ولا‬

                                                                               ‫يجاوز عمر قوله"‪..‬‬

                                                               ‫‪282‬‬
   277   278   279   280   281   282   283   284   285   286   287