Page 285 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

‫فاكتب‪ :‬ھذا ما قاضى عليه محمد بن عبدﷲ‪ ..‬فقال لھم الرسول‪ :‬وﷲ اني لرسول ﷲ وان كذبتم‪ ..‬ثم قال‬
‫لكاتب الصحيفة‪ :‬أكتب ما يشاءون‪ :‬اكتب‪ :‬ھذا ما قاضى عليه محمد بن عبدﷲ"‪!!..‬‬

‫واستم ّر الحوار بين ابن عباس والخوارج على ھذا النسق الباھر المعجز‪ ..‬وما كاد ينتھي النقاش بينھم‬
‫حتى نھض منھم عشرون ألفا‪ ،‬معلنين اقتناعھم‪ ،‬ومعلنين خروجھم من خصومة الامام عل ّي‪!!..‬‬

‫**‬

‫ولم يكن ابن عباس يمتلك ھذه الثروة الكبرى من العلم فحسب‪ .‬بل كان يمتلك معھا ثروة أكبر‪ ،‬من‬
‫أخلاق العلم وأخلاق العلماء‪.‬‬

‫فھو في جوده وسخائه امام وعلم‪..‬‬
‫انه ليفيض على الناس من ماله‪ ..‬بنفس السماح الذي يفيض به عليھم من علمه‪!!..‬‬

‫ولقد كان معاصروه يتحدثون فيقولون‪:‬‬
‫" ما رأينا بيتا أكثر طعاما‪ ،‬ولا شرابا‪ ،‬ولا فاكھة‪ ،‬ولا علما من بيت ابن عباس"‪!!..‬‬

‫وھو طاھر القلب‪ ،‬نق ّي النفس‪ ،‬لا يحمل لأحد ضغنا ولا غلا‪.‬‬
‫وھوايته التي لا يشبع منھا‪ ،‬ھي تمنّيه الخير لكل من يعرف ومن لا يعرف من الناس‪..‬‬

‫يقول عن نفسه‪:‬‬
‫" اني لآتي على الآية من كتاب ﷲ فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم‪..‬‬
‫واني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل‪ ،‬ويحكم بالقسط‪ ،‬فأفرح به وأدعو له‪ ..‬ومالي عنده‬

‫قضيّة‪!!..‬‬
‫واني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به‪ ،‬ومالي بتلك الأرض سائمة‪"!!..‬‬

‫**‬

‫وھو عابد قانت أ ّواب‪ ..‬يقوم من الليل‪ ،‬ويصوم من الأيام‪ ،‬ولا تخطئ العين مجرى الدموع تحت خديّه‪،‬‬
‫اذ كان كثير البكاء كلما صلى‪ ..‬وكلما قرأ القرآن‪..‬‬

‫فاذا بلغ في قراءته بعض آيات الزجر والوعيد‪ ،‬وذكر الموت‪ ،‬والبعث علا نشيجه ونحيبه‪.‬‬

‫**‬

‫وھو الى جانب ھذا شجاع‪ ،‬أمين‪ ،‬حصيف‪ ..‬ولقد كان له في الخلاف بين عل ّي ومعاوية آراء تد ّل على‬
‫امتداد فطنته‪ ،‬وسعة حيلته‪.‬‬

‫وھو يؤثر السلام على الحرب‪ ..‬والرفق على العنف‪ ..‬والمنطق على القسر‪..‬‬
‫عندما ھ ّم الحسين رضي ﷲ عنه بالخروج الى العراق ليقاتل زيادا‪ ،‬ويزيد‪ ،‬تعلق ابن عباس به واستمات‬

‫في محاولة منعه‪ ..‬فلما بلغه فيما بعد نبأ استشھاده‪ ،‬أق ّضه الحزن عليه‪ ،‬ولزم داره‪.‬‬
‫وفي كل خلاف ينشب بين مسلم ومسلم‪ ،‬لم تكن تجد ابن عباس الا حاملا راية السلم‪ ،‬والتفاھم واللين‪..‬‬

‫‪285‬‬