Page 284 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 284

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

                                              ‫ثم قال لي‪ :‬ادع من يريد أن يسال عن العربية‪ ،‬والشعر‪..‬‬
                          ‫فآذنتھم فدخلوا حتى ملؤا البيت‪ ،‬فما سألوه عن شيء الا أخبرھم وزادھم"!!‬

               ‫وكان ابن عباس يمتلك الى جانب ذاكرته القوية‪ ،‬بل الخارقة‪ ،‬ذكاء نافذا‪ ،‬وفطنة بالغة‪..‬‬
    ‫كانت حجته كضوء الشمس ألقا‪ ،‬ووضوحا‪ ،‬وبھجة‪ ..‬وھو في حواره ومنطقه‪ ،‬لا يترك خصمه مفعما‬

                               ‫بالاقتناع وحسب‪ ،‬بل ومفعما بالغبطة من روعة المنطق وفطنة الحوار‪..‬‬
   ‫ومع غزارة علمه‪ ،‬ونفاذ حجته‪ ،‬لم يكن يرى في الحوار والمناقشة معركة ذكاء‪ ،‬يزھو فيھا بعلمه‪ ،‬ثم‬

                           ‫بانتصاره على خصمه‪ ..‬بل كان يراھا سبيلا قويما لرؤية الصواب ومعرفته‪..‬‬
                                                      ‫ولطالما ر ّوع الخوارج بمنطقه الصارم العادل‪..‬‬

  ‫بعث به الامام عل ّي ك ّرم ﷲ وجھه ذات يوم الى طائفة كبيرة منھم فدار بينه وبينھم حوار رائع و ّجه فيه‬
                                                           ‫الحديث وساق الحجة بشكل يبھر الألباب‪..‬‬

                                                        ‫ومن ذلك الحوار الطويل نكتفي بھذه الفقرة‪..‬‬
                                                                                 ‫سألھم ابن عباس‪:‬‬

                                                                        ‫" ماذا تنقمون من عل ّي‪..‬؟"‬
                                                                                             ‫قالوا‪:‬‬

                                                                                 ‫" ننتقم منه ثلاثا‪:‬‬
                                     ‫أولاھ ّن‪ :‬أنه ح ّكم الرجال في دين ﷲ‪ ،‬وﷲ يقول ان الحكم الا ‪..‬‬
‫والثانية‪ :‬أنه قاتل‪ ،‬ثم لم يأخذ من مقاتليه سبيا ولا غنائم‪ ،‬فلئن كانوا كفارا‪ ،‬فقد حلّت أموالھم‪ ،‬وان كانوا‬

                                                                ‫مؤمنين فقد ح ّرمت عليه دماؤھم‪!!..‬‬
 ‫والثالثة‪ :‬رضي عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين‪ ،‬استجابة لأعدائه‪ ،‬فان لم يكن امير‬

                                                                    ‫المؤمنين‪ ،‬فھو أمير الكافرين‪"..‬‬
                                                                ‫وأخذ ابن عباس يفنّد أھواءھم فقال‪:‬‬
                                               ‫" أما قولكم‪ :‬انه ح ّكم الرجال في دين ﷲ‪ ،‬فأ ّي بأس‪..‬؟‬
   ‫ان ﷲ يقول‪ :‬يا أيھا الذين آمنوا‪ ،‬لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‪ ،‬ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل‬

                                                                   ‫من النعم يحكم به ذوا عدل منكم‪..‬‬
‫فنبؤني با ‪ :‬أتحكيم الرجال في حقن دماء المسلمين أحق وأولى‪ ،‬أم تحكيمھم في أرنب ثمنھا درھم‪..‬؟؟!!‬

                ‫وتلعثم زعماؤھم تحت وطأة ھذا المنطق الساخر والحاسم‪ ..‬واستأنف حبر الأمة حديثه‪:‬‬
‫" وأما قولكم‪ :‬انه قاتل فلم يسب ولم يغنم‪ ،‬فھل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين‬

                                                                     ‫سبيا‪ ،‬ويأخذ أسلابھا غنائم‪..‬؟؟‬
                                ‫وھنا كست وجوھھم صفرة الخحل‪ ،‬وأخذوا يوارون وجوھھم بأيديھم‪..‬‬

                                                                      ‫وانتقل ابن عباس الى الثالثة‪:‬‬
    ‫" وأما قولكم‪ :‬انه رضي أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين‪ ،‬حتى يتم التحكيم‪ ،‬فاسمعوا ما فعله‬
‫الرسول يوم الحديبية‪ ،‬اذ راح يملي الكتاب الذي يقوم بينه وبين قريش‪ ،‬فقال للكاتب‪ :‬اكتب‪ .‬ھذا ما قاضى‬
    ‫عليه محمد رسول ﷲ‪ .‬فقال مبعوث قريش‪ :‬وﷲ لو كنا نعلم أنك رسول ﷲ ما صددناك عن البيت ولا‬

                                                                                          ‫قاتلناك‪..‬‬

                                                               ‫‪284‬‬
   279   280   281   282   283   284   285   286   287   288   289