Page 69 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 69

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

                            ‫" وﷲ لا أدعك‪ ..‬أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي‪ ..‬ثم تتركوني"‪..‬؟؟!!‬

                                    ‫واقتنع سعيد في لحظة‪ ،‬فقد كانت كلمات عمر حريّة بھذا الاقناع‪.‬‬
‫أجل‪ .‬ليس من العدل أن يقلدوه أمانتھم وخلافتھم‪ ،‬ثم ينركوه وحيدا‪..‬واذا انفض عن مسؤولية الحكم‬

                                ‫أمثال سعيد بن عامر‪ ،‬فأنّى لعمر من يعينه على تبعات الحكم الثقال‪..‬؟؟‬
‫خرج سعيد الى حمص ومعه زوجته‪ ،‬وكانا عروسين جديدين‪ ،‬وكانت عروسه منذ طفولتھا فائقة الجمال‬

                                                         ‫والنضرة‪ ..‬وز ّوده عمر بقدر طيّب من المال‪.‬‬
‫ولما استق ّرا في حمص أرادت زوجته أن تستعمل حقھا كزوجة في استثمار المال الذي زوده به عمر‪..‬‬

                  ‫وأشارت ھليه بأن يشتري ما يلزمھما من لباس لائق‪ ،‬ومتاع وأثاث‪ ..‬ثم يدخر الباقي‪..‬‬
‫وقال لھا سعيد‪ :‬ألا أدلك على خير من ھذا‪..‬؟؟ نحن في بلاد تجارتھا رابحة‪ ،‬وسوقھا رائجة‪ ،‬فلنعط المال‬

                                                                             ‫م يتجر لنا فيه وين ّميه‪..‬‬
                                                                       ‫قالت‪ :‬وان خسرت تجارته‪..‬؟‬
                                                                  ‫قال سعيد‪ :‬سأجعل ضمانا عليه‪!!..‬‬

                                                                                   ‫قالت‪ :‬فنعم اذن‪..‬‬
 ‫وخرج سعيد فاشترى بعض ضروريات غعيشه المتقشف‪ ،‬ثم فرق جميع المال في الفقراء والمحتاجين‪..‬‬

               ‫وم ّرت الأيام‪ ..‬وبين الحين والحين تسأله زوجه عن تجارتھما وأيّان بلغت من الأرباح‪..‬‬
                                           ‫ويجيبھا سعيد‪ :‬انھا تجارة موفقة‪ ..‬وان الرباح تنمو وتزيد‪.‬‬

‫وذات يوم سألته نفس السؤال أمام قريب له كان يعرف حقيقة الأمر فابتسم‪ .‬ثم ضحك ضحكة أوحت الى‬
‫روع الزوجة بالشك والريب‪ ،‬فألحت عليه أن يصارحھا الحديث‪ ،‬فقا لھا‪ :‬لقد تصدق بماله جكيعه من‬

                                                                                   ‫ذلك اليوم البعيد‪.‬‬
‫فبكت زوجة سعيد‪ ،‬وآسفھا أنھا لم تذھب من ھذا المال بطائل فلا ھي ابتاعت لنفسھا ما تريد‪ ،‬والا المال‬

                                                                                             ‫بقي‪..‬‬
                                   ‫ونظر اليھا سعيد وقد زادتھا دموعھا الوديعة الآسية جمالا وروعة‪.‬‬
‫وقبل أن ينال المشھد الفاتن من نفسه ضعفا‪ ،‬ألقى بصيرته نحو الجنة فرأى فيھا أصحابه السابقين‬

                                                                                    ‫الراحلين فقال‪:‬‬
‫" لقد كان لي أصحاب سبقوني الى ﷲ‪ ...‬وما أحب أن أنحرف عن طريقھم ولو كانت لي الدنيا بما‬

                                                                                         ‫فيھا"‪!!..‬‬

                                ‫واذ خشي أن تدل عليه بجمالھا‪ ،‬وكأنه يوجه الحديث الى نفسه معھا‪:‬‬
‫" تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان‪ ،‬ما لو أطلت واحدة منھن على الأرض‬
‫لأضاءتھا جميعا‪ ،‬ولقھر نورھا نور الشمس والقمر معا‪ ..‬فلأن أضحي بك من أجلھن‪ ،‬أحرى أولى من أن‬

                                                                         ‫أضحي بھن من أجلك"‪!!..‬‬
                                                       ‫وأنھى حديثه كما بدأه‪ ،‬ھادئا مبتسما راضيا‪..‬‬
‫وسكنت زوجته‪ ،‬وأدركت أنه لا شيء أفضل لھما من السير في طريق سعيد‪ ،‬وحمل النفس على محاكاته‬

                                                                                ‫في زھده وتقواه‪!!..‬‬

                                                                ‫‪69‬‬
   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74