Page 270 - merit 39 feb 2022
P. 270

‫كان يعمل معي على جهاز الحفر‬                                ‫العـدد ‪38‬‬                           ‫‪268‬‬
  ‫عشرات الفتيات‪ ،‬ويبتن لمدة شهر‬
  ‫بعي ًدا عن بيوتهن وأسرهن‪ ،‬دون‬                                              ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬                    ‫المصدرة لهما‪.‬‬
‫فتاوى تحريم أو اعتراض أو تحقير‬                                                                ‫أما الإقليم الرابع فهو «الإقليم‬
‫لشأنهن أو تعرضهن للقيل والقال‪،‬‬        ‫المجالات‪ ،‬وحاولت أن أتعرف أكثر‬                       ‫الشرقي» وعاصمته «كوفوريدوا»‬
                                         ‫على هذا البلد الرائع‪ ،‬خصو ًصا‬                    ‫الذي ترجع أهميته إلى مناجم الماس‬
   ‫لا يجرؤ أحد أن يفعل أي شيء‬            ‫بعد أن تحول شعوري تجاهه‬                           ‫الموجوده فيه‪ ،‬ولذلك فإن له أهمية‬
   ‫أو يتعرض لهن بأي صورة من‬
‫الأشكال‪ ،‬فهن كالرجال تما ًما‪ ،‬رأس‬     ‫من النقيض إلى النقيض‪ ،‬وبعد أن‬                                       ‫اقتصادية كبيرة‪.‬‬
 ‫برأس‪ ،‬وكف بكف‪ ،‬وقدم بقدم‪ ،‬لا‬        ‫رأيت بأم عيني كيف يعيش الشعب‬                             ‫يوجد في غانا أنهار ثلاثة‪ ،‬نهر‬
                                                                                              ‫«فولتا الأبيض» الذي يقع عليه‬
                 ‫فرق ولا تفريق!‬       ‫الغاني‪ ،‬وتعاملت مع شبابه‪ ،‬الذي‬                         ‫أحد أكبر سدود العالم وهو سد‬
    ‫تحاورت مع هؤلاء الشباب في‬         ‫يتصف بالأخلاق‪ ،‬والطيبة والكرم‬                        ‫«أكو سومبو»‪ ،‬الذي تم بناؤه عام‬
‫السياسة وفي الاقتصاد وفي التعليم‬                                                          ‫‪ ،1965‬ونهر «فولتا الأسود»‪ ،‬ونهر‬
   ‫والصحة‪ ،‬باختصار؛ حاولت أن‬            ‫والطباع الهادئة‪ ،‬ولا يكذب أب ًدا‪.‬‬                  ‫«أُو تي»‪ ،‬وهناك بحيرة اصطناعية‬
  ‫أعقد مقارنات بينهم وبين وضع‬          ‫لم أشهد حتى الآن ومنذ سنوا ٍت‬                       ‫تكونت بعد بناء سد «إكو سومبو»‬
      ‫المصريين في جميع المجالات‪،‬‬       ‫خمس مضت‪ ،‬عرا ًكا في شارع أو‬                             ‫هي بحيرة «بوسوم تي وي»‬
     ‫خصو ًصا أن الأسعار في غانا‬      ‫سبا ًبا بألفاظ قبيحة ‪-‬أب ًدا‪ -‬الجميع‬                      ‫حيث يصب فيها أغلب الأنهار‬
 ‫ليست مرتفعة‪ ،‬والعملة الوطنية في‬
  ‫غانا هي السي دي الغاني‪ ،‬وكان‬            ‫يتحدثون بأدب جم‪ ،‬وبصوت‬                                               ‫الاستوائية‪.‬‬
‫سعر الصرف عام ‪ 2015‬هو ثلاث‬             ‫منخفض‪ ،‬وأغلب الشباب مثقف‪،‬‬                            ‫ما يلفت النظر والاهتمام أن تعدد‬
  ‫سيديات ونصف للدولار الواحد‪،‬‬         ‫يستطيع التعامل بمهارة بالغة مع‬                        ‫اللغات والديانات في غانا لا يمثل‬
    ‫ثم أصبح في عام‪ 2016‬أربعة‬           ‫التكنولوجيا الحديثة ويستوعبها‬
  ‫سيديات للدولار الواحد‪ ،‬وأخذت‬                                                               ‫ضع ًفا أو عيبًا‪ ،‬فلا هو سب ٌب في‬
     ‫قيمة السي دي تتراجع‪ ،‬حتى‬                       ‫بسرعة وبجدارة‪.‬‬                          ‫اختلاف ولا باع ٌث للصراعات أو‬
    ‫أصبح سعر الصرف الآن ستة‬            ‫أما الفتيات في غانا فهن على خط‬                     ‫دافع إلى عداوات وتناحر‪ ،‬بل زادها‬
     ‫سيديات تقريبًا للدولار‪ .‬كذلك‬                                                             ‫التعدد والتباين تناغ ًما وجما ًل‪،‬‬
 ‫فإن سعر البنزين يخضع لأسعار‬             ‫واحد من المساواة مع الفتيان‪،‬‬
 ‫البورصة العالمية‪ ،‬فنجد أن السعر‬        ‫والمرأة لها دور لا يستطيع أحد‬                         ‫فنجد في الأسرة الواحدة الأب‬
‫يتغير في صباح اليوم وعند الإقفال‬        ‫إنكاره‪ ،‬أو الحط من شأنه‪ ،‬فهي‬                         ‫مسلم والأم مسيحية (والعكس‬
                                        ‫تعمل في كل مكان‪ ،‬وأي منصب‬                          ‫موجود ومقبول) والأولاد أحدهم‬
       ‫في المساء زيادة أو نقصا ًنا‪.‬‬      ‫أو وظيفة‪ ،‬لا مجال للتحديد أو‬                         ‫يختار الإسلام‪ ،‬والآخر يفضل‬
       ‫كان حديثهم عن التعليم أنه‬        ‫التقزيم أو فرض وصاية‪ ،‬تراها‬                        ‫المسيحية ك ٌّل حسب رغبته‪ ،‬بل إن‬
      ‫أهم ما يطمحون إليه‪ ،‬وأنهم‬        ‫وزيرة وتجدها بائعة وهي تخدم‬                          ‫هناك من يغير دينه من المسيحية‬
    ‫يسعون إلى تعليم جيد وبتكلفة‬      ‫في الجيش جندية أو قائ ًدا عسكر ًّيا‪،‬‬
     ‫تتناسب مع قدراتهم‪ ،‬فالتعليم‬      ‫وهي قاضية‪ ،‬ضاب ًطا في الشرطة‪،‬‬                             ‫إلى الإسلام بعد أن يكبر‪ ،‬أو‬
     ‫الإلزامي يبدأ كالمعتاد من سن‬      ‫مهندسة في البترول أو عاملة في‬                        ‫العكس‪ ،‬ولا تجبر القبائل أبناءها‬
        ‫ست سنوات‪ ،‬ويمر بثلاث‬         ‫مصنع تحت ظروف صعبة‪ ،‬وكنت‬                               ‫على الزواج من نفس القبيلة أب ًدا‪.‬‬
      ‫مراحل‪ ،‬المرحلة الابتدائية ثم‬      ‫أحيا ًنا أسافر قبل الفجر متج ًها‬                    ‫وكان أحد سائقي الشركة مسلم‬
 ‫المرحلة الإعدادية وينتهي بالمرحلة‬       ‫إلى موقع عملي الذي أمكث فيه‬
      ‫الثانوية‪ .‬والتعليم في المرحلة‬  ‫شه ًرا‪ ،‬فأشاهد النسوة يخرجن إلى‬                           ‫بالاسم‪ ،‬لكنه لا يقتنع بالدين‪،‬‬
   ‫الابتدائية وحتى الإعدادية يكون‬      ‫أعمالهن والظلام لا يزال يضرب‬                          ‫أي دين‪ ،‬ولا يقيم الفرائض أب ًدا‪،‬‬
                                         ‫الأرض بجناحيه‪ ،‬ظلام دامس‪،‬‬                         ‫ومع ذلك يحترم المتدين ويساعده‬
                                       ‫فلا يغري ذلك أح ًدا على التعرض‬                        ‫في أداء فرائضه أثناء الصلاة أو‬
                                       ‫لهن‪ ،‬أو أراهن يمشين على عجل‬
                                       ‫أو خوف أو اضطراب‪ ،‬بل تسير‬                                       ‫الصيام في رمضان!‬
                                        ‫كل واحدة منهن في أمان منقطع‬                              ‫دارت بيني وبين الكثير من‬
                                     ‫النظير‪ ،‬دون أن يلتفت إليها إنسان‬                     ‫الغانيين حوارات وأحاديث في شتى‬
                                        ‫قط‪ ،‬وأزيدك من القصيدة بيتًا‪..‬‬
   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274   275