Page 46 - merit 39 feb 2022
P. 46
العـدد 38 44
فبراير ٢٠٢2
-5إطلالة على زمان ومكان الترنيمة أن أتدفق من أول نهر..
ومنه انتقل الشاعر إلى الاستفهام عن معاني
إن تعلق الشاعر بواقع الأرض والتربة (البلدة- الأفكار ،فانتقل من رسم الصور المتضادة إلى
الحديقة -البركة -البحيرة) لم يكن ليفارق روحه التعبير عن حيرته المستمرة من تواتر العلاقات بين
الهائمة في قلب عواصف الزمن ،وتغيرات المحيط، الكائنات ،من فهم أبجديات هذا العالم بين ظلمة
الليل ،وضوضاء النهار ،بين حبلي النهار والليل،
فالشاعر على موعد ،إلا أن الحنين يكسر تنهيدة بين المنطقة الرمادية ،وأختيها البيضاء والسوداء،
جرأته باعتراف: ليطرح نفس السؤال ،لكن بمواقف مختلفة:
أراقب عري السماء كيف أنام؟
أراقب كيف تقتات النوارس كيف كان قصيدة من ماء؟
ومن حيرة السؤال ،انتقل إلى استجداء الإجابة،
أوقظ بياض الفجر.. فأحال ثقل المسئولية إلى كل من يحمل هم الإجابة،
إن مكان اصطدام مشاعر الذات والروح تدور في ربما قد يتشارك معه تيمة السؤال ،وتيمة الإجابة،
نسق واحد ،يبدأ من بركة القرية ،ثم يمر بفناء فهمس لهم قائ ًل:
وحديقة البيت ،ليصل إلى عموم البلدة ،وعلى العموم أيها الخل ثقيل الظل
فكل الكائنات الفاعلة في هذا المحيط الواسع خضعت
بشكل مباشر أو غيره إلى الوصف لتحيل إلى ميول أيها الوقت
كبير نحو عالم الطبيعة ،نحو قوانينها العجيبة ،نحو أيها العازف
يا ساكن العناقيد
علاقاتها المركبة. وحينما عجزت عيون هؤلاء عن الإجابة ،ثارت
أما فيما يخص معجم المشاعر والانفعالات ،فقد ثائرة الشاعر وانتقل من حالة النداء إلى قسم الأمر،
انحصرت في معجمين رئيسيين ،اليأس :مخمور، فهبت قريحته تثور على ضمور الكلمة في نفوس
القحط ،جمر ،تائه ،سراب ،خف جمر..؛ الأمل: العازف وظل الظل وساكن روح الدالية ،فكانت
إجابته أوامر استنكارية ،مثلت سخ ًطا على وضع
الحب ،الغيم ،إصرار ،عينان جديدتان ،لقمان، السكون الذي هم بالناصية:
الحكيم ..،الحيرة :كيف أنام ،غيم الهواجس، جرب أن تلهو
الوحيد ،الفراغ ،مدن الضباب ..ويطغى معجم الأمل امشي الهوينى
على الديوان ،ليؤكد حالة الشاعر المتقدة التي تنطلق أوقد على الصرح قصيدة
من اليأس مرو ًرا بالسؤال ومنه إلى الأمل الذي سر في ممشى الماء
وبعد ثقل السؤال على الذات والغير ،يكمل شاعرنا
يتمنى أن يكون ميلا ًدا لغد جديد. مسيرة البحث عن الحقيقة ،ولكن هذه المرة ممتطيًا
حصان المجاز ،ومتأب ًطا سيف التشبيه ،وحام ًل لواء
خاتمة: الاستعارة ،فالحرب حرب مقدسة ،والبيان الواضح
المرتقي لا يفيد في الإجابة ،وما من حل سوى خرق
وخلاصة هذه القراءة ،أن الشاعر تمكن من مراتب الحقيقة لفهم سر ما وراء الحقيقة ،ولسنا
إيصال رسائله التي حاول من خلالها الإجابة نبالغ إذا قلنا أن الأساطير ساندت مرتقى شاعرنا،
عن الأسئلة التي طالما اختلجت داخل وجدانه وأوصلت تعابيره نحو عين الحقيقة ،فالسيف للحق
وأثمرت عدة تأويلات كانت تتراوح ما بين الغوص سطر ،والسنديانة للزمن عبرت ،أما عن يوسف
داخل عالم الطبيعة ،أو الارتقاء بين عوالم الروح، بسحره فقد أشرق ،كالشمس حينما تضيء والقمر.
وبالاستيناد إلى التناص القرآني ،زاوج الشاعر
أكثر بين الروحانيات والماديات ،وتمكن تارة من
نقل المتلقي إلى عوالم السرمد ،وتارة أخرى إلى
مرتقى التصوف والوجدان ،إنها على العموم تجربة
تستحق أكثر من قراءة ،يقف فيها المتلقي على
جمالية النص وعبقه