Page 43 - merit 39 feb 2022
P. 43

‫‪41‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

      ‫(اسم الشاعر سعيد أكزناي‪ ،‬وعنوان الديوان‬       ‫هذه التجربة إلى ما هو أعمق‪ ،‬ولنقل إلى ما هو أبعد‪،‬‬
  ‫أصابعي درجات بيانو قديم‪ ،‬والديوان من جنس‬              ‫انتقل إلى نمط جديد من الكتابة‪ ،‬بعد أن ساحت‬

    ‫الشعر كما أسلفنا)‪ ،‬من علامات أيقونية (رجل‬       ‫نفسه وظروف عمله في أنحاء كثيرة‪ ،‬كانت الفلسفة‬
‫يشبه الشبح) ومن علامات تشكيلية (أحمر‪ ،‬أسود‪،‬‬              ‫وما وراء الحقيقة هي الهدف‪ ،‬والقلم دائ ًما هو‬

   ‫أصفر)‪ ..‬وعلى هذه الألوان بنيت واجهة الديوان‪.‬‬     ‫وسيلة ترجمة التجربة تارة‪ ،‬وإيصال تلك الشحنات‬
    ‫اتخذت واجهة الكتاب من اللون الأحمر الغامق‬        ‫في شكل الإيجابي والسلبي تارة أخرى‪ ،‬فكان لهذا‬
      ‫العنوان الأول‪ ،‬ومن اللوحة المبهمة الدالة على‬     ‫المجهود الإبداعي ثمرة طيبة‪ ،‬جاءت تحت عنوان‪:‬‬
    ‫الحيرة وعدم الوضوح العنوان الثاني‪ ،‬وهو في‬          ‫«أصابعي‪ ..‬درجات بيانو قديم»‪ ،‬وهو ديوان قيم‬

‫الحقيقة الأكثر غرابة‪ ،‬فحينما تتأمله يبدو لك كشبح‬         ‫نال المؤلف عليه جائزة زهرة زيراوي للإبداع‬
     ‫قد سيق من الزمن الماضي‪ ،‬شبح يختزل لون‬            ‫الشعري سنة ‪ ،2019‬جنس الشعر‪ ،‬وهذا الديوان‬

  ‫القمح الذي كوته أشعة الشمس الحارقة في شهر‬                                    ‫هو موضوع الدراسة‪.‬‬
  ‫من أشهر الصيف الثائر‪ ،‬وإذا ما اقتربت أكثر من‬
   ‫الصورة لتأخذ بعض الارتسامات‪ ،‬ازداد توترك‬         ‫ثان ًيا‪ :‬ديوان «أصابعي درجات بيانو قديم»‬
‫أكثر حينما تلمح شم ًسا وراء صاحب الظل الرهيب‪،‬‬          ‫قراءة في الحقيقة وما وراء الحقيقة‬

    ‫وأشعة أخرى تستوطن عكس التيار‪ ،‬إنها وبكل‬                 ‫‪ -1‬التعريف بالمُ َؤ َّل َف‪:‬‬
   ‫بساطة فلسفة الشاعر التي ينظر بها إلى الحياة‪،‬‬
 ‫تلك النظرة التي تعتمد على كسر المعقول‪ ،‬واختراق‬          ‫صدر لسعيد أكزناي قبل ثلاث سنوات ديوان‬
 ‫المجهول‪ ،‬وزحزحة الثابت لينطق قائ ًل‪ :‬أنا الماضي‬     ‫شعري رائق تحت عنوان‪« :‬أصابعي درجات بيانو‬
   ‫وقد سلف‪ ،‬وأنت الحاضر وقد تهت‪ ،‬ونحن م ًعا‬
                                                         ‫قديم»‪ ،‬الديوان يقع في أربعة وثمانين صفحة‪،‬‬
           ‫سنفك هذه المتاهة لنحيا حياة من سبق‪.‬‬       ‫وهو من الحجم الصغير‪ ،‬أما عدد القصائد فتقع في‬
                                                     ‫حوالي واحد وأربعون قصيدة‪ ،‬تدور مضامينها في‬
    ‫‪ -2‬محاولة لفهم المضمون‬                           ‫سياقات مختلفة (الأمل‪ ،‬الحكمة‪ ،‬اليأس‪ ،‬الثورة‪.)..‬‬
                                                      ‫أشرف على إخراج هذا الديوان إلى الساحة الأدبية‬
             ‫كيف أنام والبحيرة في كف عفريت؟!‬        ‫‪-‬الذي فاز به المؤلف بجائزة زهرة زيراوي للإبداع‬
              ‫الناس في ظمأ تمتص أعناق الورد‪..‬‬        ‫الشعري سنة ‪ ،2019‬جنس الشعر‪ -‬جامعة ملتقى‬
    ‫يبدأ شاعرنا ديوانه بسؤال وجودي‪ ،‬يستفسر‬
  ‫فيه عن سر هذا التناسق الذي حوى هذا الإبداع‬             ‫الفن– جامعة المبدعين المغاربة‪ .‬وهو عبارة عن‬
‫الرباني‪ ،‬فينطلق من تأمل الدقة التي تركت الأشياء‬       ‫ديوان كتبت قصائده على مراحل‪ ،‬جسدت تجربة‬
       ‫تسير في توازن عمودي يبدأ من ماء المحيط‬         ‫الشاعر الوجودية‪ ،‬وصراعه مع الغير تارة‪ ،‬والأنا‬
  ‫الذي يعيش فيه‪ ،‬إلى أن يصل إلى ما هو أبعد؛ إلى‬
   ‫الاستفسار عن سر هذه الضوضاء التي تختلج‬                                               ‫تارة أخرى‪.‬‬
   ‫داخل النفوس الظامئة المتعطشة إلى الإجابة عن‬         ‫أول نظرة تثير المتلقي بعد سماعه اسم كتاب ما‪،‬‬
   ‫ماهية الحياة والوجود‪ ،‬فتتشابك الأسئلة داخل‬        ‫تبدأ بالغلاف الخارجي‪ ،‬فهو بمثابة مفتاح الديوان‬
‫مربع العقل‪ ،‬فتتطاحن تارة‪ ،‬أو تتطاير تارة أخرى‪،‬‬       ‫الذي يلج من خلاله القارئ إلى عمق الديوان‪ ،‬ومن‬
  ‫وهكذا تستمر هذه الأسئلة في التناسل‪ ،‬وتستمر‬          ‫هنا أهميته في فهم المضمون‪ .‬فهو يقدم لنا بشكل‬
       ‫رؤية الكاتب لنفس الأدوار‪ ،‬وبنفس النسق‪،‬‬
     ‫فالشاعر يمثل المتأمل أو دور الجمهور‪ ،‬وهذا‬          ‫غير مباشر لمحة عن مضامين الكتاب من جهة‪،‬‬
    ‫الإبداع الذي تختزله الطبيعة وقوانينها الدقيقة‬    ‫ويعطي للشعور الباطني للإنسان الرغبة في اقتناء‬
‫العجيبة خشبة المسرح‪ ،‬والممثلون ما هم إلا عناصر‬
                                                                                    ‫العمل من عدمه‪.‬‬
                                                      ‫ويتكون غلاف الديوان من علامات عبارة لسانية‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48