Page 44 - merit 39 feb 2022
P. 44
العـدد 38 42
فبراير ٢٠٢2
من هذه الاقتباسات نبدأ بفهم عناصر القصيدة هذه الطبيعة ،فالطبيعة في كل عناصرها تدخل في
في نظرة الشاعر ،فالقبس الشعري عند صديقنا علاقات وجودية ،تصنع بعد كل حرب أو حروب
يبدأ بالمواجهة ،مواجهة الخوف من الفكرة ،تبدأ لوحة للمتأمل ،يستمتع بها وهلة من الزمن ،ولكنه
بالإفصاح عن الهواجس ،تبدأ بفهم العلاقات ،تبدأ ينسى أن هذا الإبداع الرباني ما هو إلا تضحيات
بلحظة نثر ورود الكلمات ،وحينما يتقن الدور ،تبدأ
لحظة الانتظار ،وحينما تبدأ اللحظة تكون جميع رسمتها الكثير من الكائنات ،هذه الكائنات التي
الإجابات عند الوهلة الأولى والثانية والثالثة قائمة، تعيش مع بعضها البعض أو على بعضها البعض.
فربما يكون السقوط إلى الهاوية قائ ًما ،وربما ومن التأمل في علاقة عناصر الطبيعة ،ينتقل
تنخدع النفس بما تراه أم ًرا وار ًدا ،وربما ترتفع به شاعرنا إلى المشاركة في هذه التمثيلية ،فيختار بعد
طموحات النفس إلى ما بعد سقف الحقيقة ،وبالذات
تأمل عناصرها القديمة ،فكأنه يهمس للجمهور
نحو مجاز الكلمة أو عبق النسيم ،وربما تهوي قائ ًل:
على هذه الاندفاعات ريح طيبة تؤثر على ترانيم
العلاقات ،فتحيلها من انتظام للفكرة إلى طواحين أنا الممثل!
تقضي على ما انتظم ،فتبدأ كل المسلمات تهوي ،كل وبأصابعي ضماد يحول دون فهم الألم..
ما رتب يتبعثر ،لكنه وإن عصفت بتلابيبه رياح
الشتاء يقف على أبواب الربيع متألمًا ،كأنه بهذه وما العزف إلا قراءة على وتر النغم!
النظرة المتوغلة يعاند القدر ،ويذكره بأنه «فارس وبصيغة أخرى ،يخرج من قوقعة الماضي ،بتجربة
أكثر وعيًا بما مضى ،ليفرج عن وجهه الجديد ،لكن
يحارب طواحينه». بعبق عازف ينتمي إلى قرون ما بعد النهضة ،حيث
ومن الاستفسار والتنقيب ،ينطلق شاعرنا في رحلة الوتر إيقاع ،والنغم صمت ،والألحان عصافير تنقر
التيه ،في رحلة البحث عن الحقيقة التي لطالما كسر
على زجاج النوافذ ،وبهذه الصورة يبدأ قائ ًل:
من أجل الإجابة عن حقيقتها الكثير من النظرات أصابعي درجات بيانو قديم
البريئة وحتى المريبة ،وبنفس النفس يقر قائ ًل: يعزفها الوقت المنفلت..
أخي ًرا وصلت التيه أراقب نرجيس وهو يحملق في الماء..
وهل كنت قبل ذلك في اهتداء أكلما عزفت على أصابعي انكسرت داخلي الجرار..
هل كنت ظ ًّل للفراغ والرماد الذي تخلفه أصابعي لا تعرفه العنقاء
كل الخرائط عانقت أوها ًما يظل العزف مستم ًّرا ،وهذه المرة بأسئلة أكثر جرأة،
أبحث في جراب الليل عن سبيل الأقحوان يمثل فيها دور الممثل الذي يشترك في أداء الأدوار،
حتى وإن وصلت أسئلته إلى جواب سرعان ما
تكسر انتظام عباراته أمواج الصباح ،فلا ثبات فينتقل من التأمل في عناصر الأرض وعلاقتها
لقصور الرمال أمام هدير مد وجزر ذاك المحيط، بالمرآة التي تعكس الصورة ،بعلاقة الأنا ونظرة
يتساءل شاعرنا حول ماضيه ،حول ماهية الصواب الغير ،فتنطلق الأسئلة ،وكلما ارتقت واشتبكت
والخطأ ،حول الحقيقة التي تتساقط أوراقها كل استحال مع هذا اللقاء فهم المقصد ،فاستحالت
يوم ،هل ح ًّقا كان في اهتداء؟ أم أن كل عصفه كان صور العلاقات إلى رماد ،هذا الرماد الذي تعجز
مواجهة تشبه محاربة ومصارعة الظلال؟ يقر
شاعرنا بأنه وإن بذل جهده في فهم الطبيعة ،إلا معجزة الكون ،تلك العنقاء المرتقية إلى مراقي
أن كل محاولاته كانت دائ ًما عبارة خرائط تعانق السماء إحياء تفاصيله من جديد ،أو حتى الإجابة
الوهم ،ولا توصل الذات إلى أي جواب ،فقد جرب عن بعض تفاصيل التفاصيل التي وجدها مسدودة
النهار متلم ًسا ،ولكن القدر خانه ،وعبر به نحو
الليل ،نحو صمت الكائنات ،نحو ظل القمر ،نحو الأفق ،مغلقة النوافذ..
أن أعد أصابعي كطفل صغير
أن أعد لسقطتي العظيمة
أن المجاز خدعتنا الجميلة
سقف لا تهدمه الرياح
تذكر أنني فارس يحارب طواحينه