Page 89 - merit 39 feb 2022
P. 89
87 إبداع ومبدعون
القصــة في ليبيا
أدركت أننا لولا جنون الحافلة الثانية ما توقفنا عن جزيرة ،لكن السرعة لا تنخفض ،ما زالت كما هي!
الاهتزاز ،ارتفع صياح السائقين وأخف َض ركاب أمكنني أخذ نظارتي لتستقيم المشاهد أمامي ،وتأبطت
إضبارة المستندات أقوى مما سلف ،نفضت تراب الحافلة
الحافلتين رؤوسهم أسفل الكراسي مفتشين عن محافظ العالق ببذلتي الجديدة ،وقد نجح شاب يمشي بتبديل
ورخص ونقود وأوراق وأشياء أخرى سقطت منهم أو قبضتيه على الأسطوانة في الاقتراب مني ،ورفعي بإحدى
يديه عن سطح الحافلة الراكضة ،كانت يده قوية ،أجل
ممن سبقهم من الركاب. قوية وحارة ،لم أتركها رغم استعادتي وضع الوقوف
شعرنا بالحافلة ترفع رأسها بكبرياء وتسير سي ًرا هيِّنًا، وتمكني من الأسطوانة ،صاح السائق وهو يوقف الحافلة
كان السائق الجديد رافعة البلدية التي ما ارتحنا على فجأة:
مقاعدنا وسررنا بوقف الاهتزازات حتى ألفيناها تتوقف يا ابن الكلب كسرتني ..يا ولد الذين ..يلعن أبوك وبو اللي
بنا في المنطقة المخصصة للخردوات ،بالطبع لم نكن هناك
وحدنا ،فخلفنا الحافلة الأخرى وأمامنا مئات الحافلات خلاك أتسوق..
الوادعة كما لم تكن مرة ..لم يأكل الصدأ ولا الخراب ولا ظننت أ َّنا وصلنا ،حين توقف السائق عن القيادة ،لكنه
تخلى عن المقود ليعارك بيديه سائق الحافلة الثانية ،ثم
النسيان حر ًفا من أسماء المناطق والبقاع التي حملتها.
مؤكد كان يركبها أناس منا في زمن مختلف! أخرج عصاه من أسفل كرسيه وكذلك فعل الآخر في
حوار متفق على تفاصيله ونزلا يتضاربان ،ويكملان
الحوار الناقص بينهما.