Page 87 - merit 39 feb 2022
P. 87
85 إبداع ومبدعون
القصــة في ليبيا
أن الرسول مات ،كيف لا يزال في هذه الدنيا خلق أن أق ِّطع الخضار بالسكين إلى أحجام متوسطة ،وفي
وحساب ،وفي الآخرة جنة ونار ،وما فائدة الذهاب هذه المرة حين انتهيت من قطعها سألت جدتي مالذي
إلى ال ُكتَّاب كل صيف وإعادة كتابة ُسو ِر القرآن على
الخشب وحفظها .إ َّل في حالة واحدة فكرت فع ًل في تعنيه دعوتها بأن أكبر وأح َّج بها لملاقاة محمد.
ج ِّديتها :أن حسين يكذب عليَّ ،وأن موت الرسول صلت جدتي على وقع اسمه وقالت :الآخرة ،وما هي
حكاية ابتدعها ولا تختلف عن تلك التي أغراني فيها
بأكل كل ثمرات شجرة الرمان دون أن يتناول هو أي الآخرة يا جدتي ،هي الأرض البعيدة التي نصلها
واحدة منها ،بل ظ َّل يراقبني بابتسامة خبيثة حتى عند انتهاء أعمارنا في هذه الدنيا ،ثم نفخت في الملعقة
انتهيت ليقول إنني وقع ُت في الفخ ،وأن جسمي منذ
الأن سيتقلص وينحسر تدريجيًّا حتى أموت منكم ًشا وذاقت الطبيخ لتقيس الملح ،وأنا لم أقتنع في الأول
غ ًدا .عدت أجري إلى البيت وحسين يجري ورائي لكنني اقتنعت حين ماتت بعدها بكم شهر ،وأدرك ُت
يصفق ويغني ،وأقم ُت الليل واق ًفا أمام مرآة الدولاب أن مصيرها أن تلتقي المصطفى صلى الله عليه وسلم،
أترقب لحظة الانكماش .حسين في هذه اللحظة التي وحسين ُقتل بعد عقد في حرب على من جاءوا لإقامة
يشوي فيها الحمامة يبدو طبيعيًّا أكثر من اللازم، دولة الرسول ،ولم أعلم مصيره ،أو على الأقل صر ُت
واث ًقا من نفسه أكثر من اللازم ،وعلى وجهه نفس
في ذلك ال ُعمر لا أفكر في مصير الناس بعد انتهاء
الابتسامة الخبيثة التي لا ُتريح الناظر إليها في أعمارهم في هذه الدنيا .لكن كل هذا لم يحدث بعد.
لحظة شك .قل ُت له ،أخبرني يا حسين ،ما دليلك على مازل ُت أجلس قبالة حسين ،وحسين لا يزال يشوي
موت الرسول؟ نظر لي حسين راف ًعا حاجبيه وأدعى الحمامة التي اصطدناها وذبحها رجل كان في طريقه
استغرابه أنني ما زل ُت أفكر في الموضوع .ليس هذا إلى صلاة الجمعة ،ولم تخبرني جدتي بعد عن الآخرة
فحسب ،بل راح يصبغ كذبته بقصص أخرى لا وهي تنفخ في الطبيخ ،وما زل ُت أنتظر ذلك اليوم
يصدقها عاقل ،حول كبر الرسول في السن لدرجة الذي سآخذها فيه لملاقاة المصطفى .وكنت أتساءل:
صار يشبه جدي ،وعن خطبة الوداع التي راح يلقي
اقتباسات منها حتى تحسبه ح َضرها .لكنني أنا هذه كيف يصلي الناس الجمعة لو كانوا يعلمون ح ًّقا
المرة من استعار ابتسامته الخبيثة واحتفظت بها
طوال اللحظات التي ق َّص لي فيها عن إحداثيات موت
محمد ،وفي لحظة ما انتب َه إلى ذلك وسألني عن سبب
هذه الابتسامة ،فقلت له ما معناه أن ُيكمل سرد
فيلمه لأنه مثير ج ًّدا .عاد حسين للجلوس وقال إن
الحمام طاب ،وإن لم أصدقه فبإمكاني أن أسأل أي
واحد خاطم .فكرة بديعة ،فكرت ،وضرورية ،كان
عليَّ قطع الشك باليقين قبل أن أنهار .حتى الحمامة
التي اشتهيت أكلها صارت في فمي باردة وجافة.
عدنا إلى الطريق مجد ًدا ،ونظرنا إلى الجانبين الممتدين
دون أن نرى أو نسمع أي حس فيها .انشغلنا فو ًرا
باصطياد الضفادع وربط سيقانها الخلفية ببعض ،ثم
التفرج عليها تحاول القفز دون جدوى ،وحين نم ُّل
منها نقوم بحرقها ،ولما لمحنا شخ ًصا يهرول قاد ًما
من بعيد ،تركنا اللهو وحشونا الولا