Page 83 - merit 39 feb 2022
P. 83

‫‪81‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصــة في ليبيا‬

                      ‫عمر أبو القاسم الككلي‬

                                                ‫(ليبيا)‬

                       ‫الترتيب الأمثل‬

    ‫ليس معقو ًل أن تكون هي نفسها‪ .‬فمهما كانت‬        ‫اعتراه استغراب بالغ‪ .‬فرغم أنها توقفت‪ ،‬لوهلة‪ ،‬عند‬
   ‫رباطة جأشها لا يمكن ألا تظهر عليها أدنى ردة‬        ‫باب المقهى‪ ،‬ماسحة القاعة بنظرة سريعة خاطفة‪،‬‬
   ‫فعل إزاء وجوده‪ .‬إلا إذا كانت تعلم بوجوده هنا‬          ‫إلا أنها لم تب ِد أية ردة فعل تفصح‪ ،‬أو تنم‪ ،‬عن‬
                                                     ‫أنها شاهدته‪ .‬وحتى عندما مرت بقربه‪ ،‬متجهة إلى‬
               ‫مسب ًقا ووطنت نفسها على إرباكه‪.‬‬        ‫المنضدة التي تخيرتها‪ ،‬لم توله أي انتباه‪ .‬المنضدة‬
    ‫إلا أن كل هذا لم يجعله يقتنع بأنها ليست هي‪.‬‬         ‫على مبعدة بضعة أمتار منه‪ .‬جلست على كرسي‬
 ‫استعجل الخروج من المقهى‪ ،‬وعند المدخل استرق‬             ‫بوضع يتيح لها مراقبته‪ .‬استرق إليها النظر‪ .‬لم‬
                                                                                   ‫يظهر أنها تراقبه‪.‬‬
                   ‫إليها النظر‪ .‬لم تكن مهتمة به‪.‬‬          ‫قد تكون امرأة أخرى مثيلة لها‪ .‬لكن من غير‬
    ‫في الساحة الصغيرة التي أمام المقهى بحث عن‬        ‫المعقول أن تكون المثيلة بنفس العمر‪ ،‬وترتدي نفس‬
   ‫سيارتها‪ .‬لم يجدها‪ .‬لعلها ركنتها في مكان آخر‪.‬‬          ‫الملابس التي يعرفها ونفس الحذاء‪ ،‬وتتدلى من‬
    ‫قاد سيارته بسرعة عالية لم يعتدها متجها إلى‬          ‫كتفها حقيبة نسائية مألوفة لديه وبنفس اللون‬
                                                       ‫والعلامة التجارية‪ .‬من غير المعقول أن تكون لها‬
                                         ‫البيت‪.‬‬
    ‫أمام البيت‪ ،‬كانت سيارتها في نفس المكان الذي‬     ‫نفس تسريحة الشعر‪ ،‬وتسير بنفس المشية المتكبرة‬
  ‫توقفها فيه عادة‪ .‬إذا كانت هي نفسها‪ ،‬فلا يمكن‬        ‫التي تحرص على تعمدها في الأماكن العامة‪ .‬ومن‬

        ‫أن تخرج بعده وتصل قبله‪ .‬حتى لو قادت‬         ‫يدري‪ ،‬فلربما لو اقترب منها بشكل كا ٍف لشم منها‬
   ‫سيارتها ‪-‬وهذا أمر ضعيف الاحتمال‪ -‬بسرعة‬                                               ‫نفس العطر‪.‬‬
   ‫أشد من سرعته‪ .‬المسافة من المقهى إلى البيت لا‬
‫تسمح بتغطية فارق الزمن بينهما‪ .‬ولا توجد طرق‬                  ‫وجود المتماثلين ليس أم ًرا مستحي ًل‪ .‬لكنه‬
                                                      ‫استثنائي‪ .‬وقد يكون تماثل الأمور الأخرى مجرد‬
                                     ‫مختصرة‪.‬‬        ‫مصادفة غريبة‪ .‬فالمصادفات الغريبة المباغتة تحدث‬
     ‫عندما دخل كانت بملابس البيت ُتق َرع ابنهما‬
                                                        ‫في الواقع‪ .‬الملابس والحقائب والأحذية المتماثلة‬
            ‫الصغير‪ .‬أسرع الطفل نحوه لائ ًذا به‪.‬‬         ‫موجودة في الأسواق‪ .‬وتسريحة الشعر شائعة‪.‬‬
                                   ‫‪ -‬ماذا فعل‪.‬‬
                                                            ‫يجوز أن يكون الأمر كله محض مصادفة‪.‬‬
‫‪ -‬لم تعجبه الملابس التي أردته أن يلبسها‪ .‬يريد أن‬     ‫وحتى عندما طلبت مشرو ًبا‪ ،‬طلبت كابتشينو‪ .‬هي‬
                                ‫يلبس على هواه‪.‬‬        ‫تحب الكابيتشينو‪ .‬هو أي ًضا يحبه‪ .‬لذا كانا عندما‬

     ‫‪ -‬وما المشكلة في ذلك! دعيه يلبس على هواه‪.‬‬         ‫يذهبان إلى المقاهي م ًعا‪ ،‬يحرصان‪ ،‬خصو ًصا في‬
                            ‫‪ -‬لا يظهر بها أني ًقا‪.‬‬                                 ‫الشتاء‪ ،‬على طلبه‪.‬‬

        ‫‪ -‬دعيه على هواه‪ .‬يتعلم الأناقة وهو يكبر‪.‬‬
                        ‫كانت تعد وجبة العشاء‪.‬‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88