Page 107 - merit 40 apr 2022
P. 107

‫‪105‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

 ‫أول من ينفذ العقوبة‪ ،‬كان هذا سيؤدى إلى أن يطفح‬             ‫غير ما ُعبِّد و ُح ِّمد‪ .‬كان سعيد كتو ًما‪ ،‬لا يتحدث‬
 ‫بها الكيل نهائيًّا‪ ،‬لكنه شعر في أعماقه أنه ملزم بقول‬     ‫إلا بما تقتضيه الضرورة‪ ،‬كان الآخرون يتجنبون‬
                                                         ‫سعي ًدا ويخشون الاختلاط به‪ .‬ذات يوم عندما كان‬
     ‫الحقيقة‪ ،‬خاصة أن الدولة قد هيمنت على جميع‬          ‫سعيد يأكل طعامه‪ ،‬اقتربت منه مجموعة من الشباب‬
                  ‫الحقائق والأكاذيب هيمنة كاملة‪.‬‬        ‫منشدة أغاني دينية وتعمد أحدهم أن يدوس بحذائه‬
                                                         ‫على صينية طعامه‪ .‬صاح به الآخرون ووبخوه على‬
     ‫«ليس كل ما تسمعه حقيقي يا بني‪ ،‬كانت ثورة‬          ‫فعلته‪ ،‬ولكن ليس احترا ًما لسعيد‪ ،‬بل بعذر أن سعي ًدا‬
  ‫الخوذة ثورة مليئة بالأمل‪ ،‬قادها رجال ونساء م ًعا‪،‬‬    ‫ابن رجل ملحد ولا يجوز الاقتراب منه‪ .‬غضب سعيد‬
 ‫كان هدفهم إعادة المساواة بين الجنسين وإصلاح ما‬         ‫وهم بالنهوض ليدافع عن نفسه‪ ،‬في تلك اللحظة جاء‬
                                                          ‫الحرس وفصل بين الطرفين‪ .‬حين رجع سعيد إلى‬
   ‫أفسده نظام الخلافة‪ ،‬سواء من الرجال أو النساء‪،‬‬           ‫مكانه‪ ،‬اقترب منه عبد الباري وأعطاه من وجبته‪،‬‬
    ‫أرادوا تأسيس قيم مشتركة يتفق عليها الجميع»‪.‬‬         ‫عو ًضا عن وجبته التي داستها أحذية المعتدي‪ .‬عرفه‬
   ‫«ولكن السبب الرئيسي للثورة كان رفض الرجال‬
‫الممسوخين ارتداء الخوذة ليواصلوا التحرش بالنساء‬              ‫بنفسه وسأل سعي ًدا إن كان يريد رفع شكوى‬
   ‫الطاهرات»‪« ..‬وهذه أي ًضا حقيقة‪ ،‬فقد كان من بين‬        ‫فسيشهد معه‪ ،‬ابتسم سعيد نافيًا وقال لعبد الباري‬
 ‫القائمين بالثورة بعض مؤيدي نظام الخليفة السابق‬          ‫«هذا الشبل من ذاك الأسد»‪ .‬لم يفهم عبد الباري ما‬
  ‫الذين استغلوا الفوضى لإثبات فشل خلافة الفقيهة‬         ‫قصده سعيد‪ ،‬هل كان يعرف أباه؟ ولماذا لقبوه بابن‬
  ‫جليلة‪ .‬لكن مخططي الثورة لم يكونوا كذلك»‪« .‬وما‬         ‫الملحد؟ أهذا بسبب اسمه؟ قرر عبد الباري أن يسأل‬
   ‫علاقتك أنت يا أبي بكل هذا؟»‪« .‬كنت أنا من سعى‬
  ‫لتخفيف العقاب عن أبي سعيد وزوجته‪ ،‬ولكنني لم‬              ‫والده عندما يصل البيت‪ ،‬قد يعرف أبوه سر هذا‬
    ‫أستطع أن أنقذ سوى أم سعيد من الإعدام كونها‬                                           ‫الفتى الغامض‪.‬‬
 ‫كانت حام ًل بابنها سعيد»‪« .‬ولماذا كل هذا الجهد من‬
   ‫أجلهم؟»‪ .‬كان عبد الباري يريد أن يقول «من أجل‬         ‫بعد العشاء ذهب عبد الباري إلى غرفة والده وسأله‪:‬‬
 ‫هؤلاء الكفرة»‪ ،‬لكنه امتنع عن ذلك‪« .‬هذا لأنني كنت‬         ‫«من هو سعيد؟» لم يجب أبوه على هذا السؤال بل‬
   ‫من مؤيدي الثورة ورأيت من الواجب أن أدافع عن‬              ‫قال‪« :‬ما رأيك أن نصلي هذا المساء بضع ركعات‬
    ‫رفاقي»‪ .‬صعق عبد الباري من هذا الخبر‪ ،‬وسأل‬
  ‫«ولماذا لم تحاكم مثل الآخرين؟»‪ .‬ابتسم الأب وقال‪:‬‬     ‫تراويح عسى أن يغفر لنا الله بع ًضا من ذنوبنا»‪ .‬فهم‬
 ‫«هذا لأن أمك اختارتني زو ًجا لها‪ ،‬وأنت تعرف نفوذ‬      ‫عبد الباري أن الموضوع فيه سر لا يريد أبوه التحدث‬
     ‫أمك في الدولة‪ ،‬تزوجتني واشترطت أن أكف عن‬
  ‫جميع أعمالي السياسية ونشاطاتي الاجتماعية‪ .‬وها‬           ‫عنه أو كتابته على ورقة‪ .‬كانت صلاة التراويح هي‬
‫أنا أوفي بوعدي لها وأتحاشى َمن عرفته آنذاك‪ .‬وهذا‬           ‫الوسيلة الوحيدة التي يستطيعان اللجوء إليها كي‬
    ‫لم يعد صعبًا‪ ،‬إذ قتل الكثير منهم بعد فشل ثورة‬        ‫يتحدثا دون أي رقابة‪ ،‬إذ كانت الدولة تسمح بخلع‬
‫الخوذة وغادر من تبقى منهم البلاد»‪ .‬قام الأب فجأة‬
   ‫قائ ًل‪« :‬هيَّا بنا ننهض ونرتدي ساعاتنا الذكية‪ .‬فلا‬                ‫الساعة الذكية عند الوضوء والصلاة‪.‬‬
‫داعي لأن نوقظ الشكوك»‪ .‬ارتديا ساعتيهما الذكيتين‪.‬‬        ‫بعد أن خلعا ساعتيهما الذكيتين‪ ،‬قال أبو عبد الباري‬
 ‫ذهب عبد الباري بعد ذلك إلى غرفته محتا ًرا متشك ًكا‬     ‫لابنه‪« :‬أبو سعيد هو من قام بثورة الخوذة التي ُقتل‬
‫في كل ما سمعه عن الدولة ونظامها‪ ،‬لم يستطع النوم‪،‬‬        ‫فيها العديد من الرجال والنساء»‪ .‬سأله الفتى‪« :‬أعوذ‬
  ‫قرر أن يتجول قلي ًل‪ ،‬لبس الخوذة وخرج من البيت‬
  ‫دون أن يرى أو يسمع شيئًا من العالم حوله‪ ،‬لم ير‬           ‫بالله من الشيطان الرجيم‪ .‬درسنا الكثير عن هذه‬
 ‫سوى الخرائط ثلاثية الأبعاد المرسومة على الشاشة‪،‬‬       ‫الصفحة السوداء من تاريخ أمتنا في المدرسة‪ .‬إذن هو‬
     ‫تجول مستسلما لتعليمات الآلة التي تقوده يمينًا‬     ‫ابن ذلك الكافر الخائن؟ ومن أين يعرفك؟ ولماذا تقول‬
                                                       ‫إن الثورة ماتت فيها نساء‪ ،‬مع أننا تعلمنا في المدرسة‬
                               ‫ويسارًا في الظلام‬       ‫أن النساء لم يشاركن فيها»‪ .‬نظر الأب إلى ابنه طوي ًل‪،‬‬

                                                         ‫عرف أن ما سيقوله لابنه الآن قد يؤدي إلى إعدامه‬
                                                          ‫فو ًرا كمعارض للدولة؛ إذا باح ابنه بالسر عم ًدا أو‬
                                                       ‫بغير قصد‪ .‬لن ينقذه نفوذ زوجته‪ ،‬بل ستكون زوجته‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112