Page 111 - merit 40 apr 2022
P. 111
109 إبداع ومبدعون
قصــة
لليلة الأمس .لم تكن جميع المقاعد ممتلئة بالركاب
الذين تتنوع انشغالاتهم في الطريق ،فالغالبية
يقرؤون سواء أكان كتا ًبا ورقيًا أم الكترونيًّا أو
حتى جرائد الصباح المجانية ،والبعض الآخر
يلعبون بتطبيقات الألعاب على هواتفهم المحمولة .أما
بالنسبة له ،فهي فرص ٌة ليسرق غفو ًة مستحق ًة لها
لذ ٌة خاص ٌة.
في فيينا تشكل شبكة خطوط قطارات الأنفاق
ومحطاتها مدين ًة موازي ًة تغوص أحيا ًنا لعشرات
الأمتار تحت الأرض .عال ٌم من الأنفاق المظلمة تنتهي
إلى محطا ٍت منار ٍة بالمصابيح .عال ٌم تحت أرضي
يعلو رأسه مئات المعالم الثقافية ،المتاحف وصالات
العرض ودور الأوبرا ،وحدائق القصور ومنتزهات
العامة؛ معال ٌم يحج إليها آلاف الزوار سنو ًّيا.
المقاعد ليست مريح ًة للغاية لكن الدفء يغري
بأخذ غفو ٍة طويل ٍة .الساعة
البيولوجية المضبوطة
بدق ٍة في دماغه تجعله
يستيقظ قبل محطة النزول
بمحط ٍة واحد ٍة .هذا الصباح أخطأت ساعته بتحديد
المحطة بالدقة المعتادة؛ فجأ ًة توقفت الموسيقى في
أذنيه .فتح عينيه ليجد القطار ممتلئًا عن بكرة
أبيه .الركاب قعو ًدا وقيا ًما ،يقبعون في صم ٍت
جنائزي .صم ٌت فجر في رأسه عشرات الأسئلة
عن سبب هذا التكدس البشري الأصم؛ ماذا حل
بالجميع؟ لا أحد يتحدث مع الآخر ،ملامح الوجوه
ممسوح ٌة ،البعض مطر ٌق في كتابه أو جهازه
المحمول وآخرون هائمون دون حرا ٍك .مخلوقا ٌت
تحت أرضي ٍة مبرمج ٍة إلى مسا ٍر مرسو ٍم مسب ًقا.
هل صمتهم هو احتجا ٌج على شي ٍء ما أو قضي ٍة ما؟
احتجا ًجا على تلوث الجو وزيادة الانبعاثات الضارة
أم احتجا ًجا على استباحة البعض للقتل
الجائر للحيوانات ،أو سفك دماء أخوتهم في
الإنسانية في حرو ٍب عبثي ٍة لا طائل منها؟
أراد أن ينصرف عن هذا المشهد المرعب وأن يستمع
لأغني ٍة جديد ٍة ربما تعيده لغفوته مجد ًدا ،ريثما
يصل إلى محطته .تفقد السماعات في أذنيه ،لم
يجدها ،تذكر أنه نسيها في غرفته على طاولة مكتبه.