Page 114 - merit 40 apr 2022
P. 114
العـدد 40 112
أبريل ٢٠٢2
-كيف حال ناهي؟ -ال ُغ ُرب فعلوا هذا به .نطق ابن عمه «سبيتي»
-جسمه قطعة جمر .اعترت صوته عبرة. فجأة وأراح الجميع.
-سأرسل لكم بعض الدواء بيد شخص.
-ماذا سنفعل ،أريد أن أنتمي للجبهة ،أريد أن -كيف نرد عليهم؟ متى؟ سأل مناتي متطل ًعا جواب
الشيخ.
أتدرب لآخذ حقي.
-وجودك هنا أهم .نحن سنحاسب هذا الجاني. -نرد عليهم! سننتظر لنعرف سبب الحدث .أجابه
الشيخ.
انس َّل سري ًعا بين الزور والأحراش المحيطة
بالبيوت ،ليصل للهور الممتد مثل البحر بمساحاته خيَّم الصمت في المضيف ،بينما الأعين تتحاشى
الشاسعة من القصب والمردي المرتفع ،الذي يصل الأعين مخافة أن يقرأ أحدهم الخوف في عين ْي
طول بع ًضا منه أكثر من خمسة أمتار؛ كان ملا ًذا غيره ،وفي لحظة غير منتظرة نهض مناتي غاضبًا
نحو ابنه ،صاح به الشيخ أن يجلس ،لكنه لم
آمن لمن تبحث عنهم القبضة الحديدية ،والذين يكترث .انحنى إلى ابنه ،واضعا يده اليمنى تحت
يسمهم الناس ج ْه ًل «الفرارية». رجليه واليد الأخرى تحت ظهره وأخذه معه دون
أن يبوح بشيء سوى صوت أنفاسه الغاضبة.
ذهب تار ًكا خلفه مناتي الباشخ مشدوه البال، كانت البيوت القصبية المحاذية للهور ،متناثرة مثل
أقل مما سبق ،قبل أن يعود لتفقد ابنه ،شاهد أمه أكوام البيادر .تلمح العين من بينها بيتًا قصبيًّا
يظهر عن فرق مكانة أهله ،مكان ٌة لا تختلف في
وزوجته ونسوة أخريات متحلقات حول ناهي الجوهر ،وإنما في الطبقة .لكنُ ،بعيد هذه القرية
تحت ضوء شاحب من الفانوس المعلَّق على عارضة القصبية ،وبين قرى مماثلة؛ نشأت قرية حديثة،
من حج ٍر ورصاص ،ظل أهل القرية يراقبون
السقف الخشبية .أما صغاره ،عدا ابنته الوحيدة أهلها بزيهم ولغتهم الجديدتين بتوجس كان يشي
ذات الستة سنوات ،كانوا قد غطوا في نو ٍم عميق. بآخرية غير واعية ،إذ دفع أهل هذه القرية والقرى
قبل هذا اليوم بأيام قليلة ،قطع ناهي وع ًدا لأخته أن المجاورة ضريبة الوافدين الجدد .وعلى هذا تغيَّرت
يقطف لها من ذلك الثمر ذي الرائحة الطيبة ،بعدما ملكية أفضل الأراضي الزراعية بليلة وضحاها إلى
وجدوا مع أطفا ٍل غيرهم بعض قشوره الطرية جديد لا يملك أدنى فكرة عن هذا المكان.
مرمي ًة قرب سياج المستوطنة ،التي سماها الوافدون ُبنيت البيوت ،والمرافق التي تحتاجه قرية حديثة
محاذية للهور! لم يألف من قبل أهل القرى وجود
-يزد نو -تأ ِّسيًا باسم مدينتهم التي جاؤوا منها.
كان شعور الأطفال متناق ًضا تجاه ما يوجد خلف سياج حديدي ُيزرع بين البشر ،لكنهم كانوا
يشاهدون كل هذا باستغراب وشعور ممزو َجين
السياج ،شعو ٌر يتوزع بين رهبة الواقع ورغبة
منشأهما الحرمان .كاد يستولي الاسم الجديد على بالغبن والانسحاق.
الاسم القديم في كلامهم اليومي ،لأنهم ولدوا بعد َج َّن الليل ،كانت الحمى بلغت ذروتها في جسد
ناهي النحيل ،بينما نعي جدته الحزين جعل الأجواء
أو أثناء نشأة المستوطنة ،لكنهم يسمعون الكبار جنائزية أقرب إلى مأساة ُم َعتَّقة .دخان المُطال ما
يسمونها «المصب» ،لأنها المنطقة التي يصب فيها زال يعوم في الأجواء لإبعاد البق والبرقش ،أما
مناتي الباشخَ ،ف َق َد استقراره غير المستقر أص ًل مذ
نهر الكرخة إلى هور العظيم. أن فقد أرضه التي أفنى يفوعته وشبابه في حرثها
بعد هنيهات قليلة تفرقت النسوة إلى بيوتهن ،وظ َّل وزرعها ،بالأسلوب ذاته الذي قام به الآباء الأولون.
مناتي الباشخ وزوجته ،بقرب ابنهما الذي لم يكف جلس على كومة طينية جافة يمج سجائره اللف
عن الهذيان .نظر إلى أمه العجوز ،ممدة على جنبها،
بعد يوم من النعي والبكاء ،ثم نظر إلى زوجته ،إلى دو َن هواد ٍة متح ِّر ًقا لما آلت إليه الأمور.
-ماذا تفعل هنا «فرهود» ،أنت مطارد.
وجهها الشاحب والمتوغل في العجز.
-سلبوا أرضنا ،والآن يسرقون حياتنا منَّا .قالها
بصوت أشبه للهمس.
-ماذا بيدنا ،الدولة لهم ،ورجال الشرطة منهم .هم
أنفسهم مسلحون والقانون يجيز لهم قتلنا إن فعل