Page 116 - merit 40 apr 2022
P. 116
العـدد 40 114
أبريل ٢٠٢2
إلى الرواح .تثقل الفالة على كتفه ،يحملها معه العراقي لسلطات الشاه ،أو على أقل تقدير أن يتم
وقاية من هجوم الخنازير المباغت التي تتخفى على إبعادنا من العراق.
حواف الهور بين الأحراش والقصب .لفت انتباهه
-إلى أين يبعدونكم؟
وقوف الرجل وسط الطريق ،هذه المرة لم يجلس -لا أعلم ،ربما إلى سوريا أو الأردن ،وربما إلى
على كرسيه ولم يمسك المذياع ،وعندما اقتربت
ليبيا.
الجواميس منه تسير سيرها المعتاد ،تراجع قلي ًل -لن يحدث هذا ،العراق لن يفعل هذا .نحن أش َّقاء.
إلى الوراء ،ظ َّل يحدق في وجه مناتي الباشخ الذي
-المصالح السياسية تف ِّرق الأشقاء بسهولة لا
ل َّوحته الشمس. يمكن تصورها بل تف ِّرق بين الإنسان وضميره.
-خسرتم المعركة ،أنتم خاسرون دائ ًما ،تراهنون انتظر المذياع ،إذا أعلنوا عن الاتفاقية ،اعرف بأننا
على الحصان الخاسر ،سيرمون أصدقاءكم سننقطع عنكم.
الخائنين إلى الجحيم. زاد قلق مناتي الباشخ بعد ذلك اللقاء لأيام طوال،
أكثر مما فك َّر بكلام هذا الرجل ،رنت كلمات زوجته ظ َّل يفكر بالانتقام الفردي ،لكن ،من جه ٍة أخرى
في رأسه ،كانت تطن في رأسه مثل صوت المهراس، كان يؤمل نفسه أن الاتفاقية لن تحدث ،لأنه سبق
أن سمع الشعارات الحماسية عبر مذياع ب َّقا ٍل من
كذلك كلمات فرهود والمعلم والشيخ .تداخلت أقاربه في المدينة وقد تأثر بها .بدأ يتحين الفرص
الأصوات كلها في رأسه. للذهاب إلى المدينة ليستمع إلى الأخبار ،وفي صبيحة
-ما بك ،أبكم؟ أم لم تتعلم الفارسية بعد كل هذه أحد الأيام التي تلت لقاءه بفرهود ،وحين كان
السنوات! متشبثون بلغتكم اللعينة. يجلس قرب كرسي البقال ،استمع إلى صوت المذيع
كان دخان المطال مثل حبا ٍل قطنية منفوشة تمتد العراقي يبوح بالاتفاقية الثنائية والتي سميت
من بيوت القرية إلى السماء .انقطعت الأصوات في اتفاقية الجزائر .ظ َّل يسب ويشتم السماء والكائنات
جمي ًعا ،مما جلب استغراب البقال ،لذا قبل أن يطيل
رأس مناتي الباشخ .استمر بطريقه ،تكاد تلتقي
عينيهما في خط مماس .لم يعد يسمع كلام الرجل البقاء ه َّم بالخروج والعودة إلى القرية.
الذي لم ينقطع .تثقل الفالة على كتفه ،إذ منذ ساعة كان يتحاشى النظر في وجه ابنه إذا ما تحلقوا
حول مائدة الغداء ،أما حين العشاء لا ،لأن ضوء
لم يغير مكانها إلى كتفه الآخر ،حاول فعل هذا الفانوس لا يكاد شعاعه يسمح بتمييز ما هو قابل
ليتجنب النظر إلى الرجل ،فعل هذا بسرعة .تراجع للأكل من غيره ،وتلك الخدوش المتناثرة على الجانب
الأيمن من وجه ناهي تتراءى له بين الحين والآخر،
الرجل خطوة إلى الوراء ،رفع بندقيته الجاهزة والانشغال بالجواميس أصبح شغله الشاغل ،بينما
وأطلق النار نحو مناتي .تف َّرقت الجواميس وطارت انقطع عن المضيف كليًّا .لكن الكلمات ستجد طريقها
إليه ما إن يتفرغ قلي ًل ،بيد أن الطريق الذي يضطره
الحمائم والطيور من بين القصب والأحراش للمرور من المستوطنة يعذبه أيما تعذيب ،خاصة
وسقط مناتي الباشخ على الأرض .بعد لحظات إذا ما وجد ذلك الرجل ممس ًكا مذياعه ومترب ًصا
كان يشاهد سيلان الدم يجري أمام عينه المحاذية به بكلمات لا يفهمها مناتي الباشخ أص ًل ،إلا أن
للأرض ،بينما كانت عينه الأخرى تشاهد خيوط حمولتها النفسية لا تدعه في حال سبيله ،بينما
الدخان تصعد إلى السماء ثم تتبدد في الأعالي ،وأذنه سلاح الرجل الموضوع عارضيًّا على فخذيه كان
الملاصقة للأرض تسمع دبيب أقدام الجواميس
وتشعر بدفء الأرض ،وراح يمتلئ أنفه برائحة يثيره.
التراب الممزوج بالدم ،بينما تسارع الكلب يلعق من عاد من سرح الجواميس الذي بدأ من الصباح
الدم الذي لا تتوانى الأرض عن امتصاصه.