Page 119 - merit 40 apr 2022
P. 119

‫نون النسوة ‪1 1 7‬‬                                       ‫الطريقة الساحرة للسرد المشوق تراوح ما بين‬
                                                    ‫العالمين في قدرة على فتح الأبواب المغلقة‪ ،‬وتوضيح‬
 ‫الناس كبيرهم دون تفكير أو تبرير‪ ،‬يرددون رواية‬      ‫ما ُسكت عنه في البداية‪ ،‬مراوغة سردية ذكية فيها‬
     ‫جاعلين منها سردية كبرى يصفون بها طريقة‬         ‫اقتدار على زرع الرواية بالمطبات القادرة على إثارة‬
    ‫وجود الكبير بينهم وسبب هذا التقديس والولاء‬
                                      ‫المطلق له‪.‬‬      ‫الذهن وهو يتابع الرحلة السردية العجيبة بمتعة‬
      ‫تكتسب هذه النوعية من الروايات أهميتها في‬                                              ‫وخفة‪.‬‬

   ‫الخطاطة الفكرية التي تتبناها وتعمل على نسجها‬       ‫ولأن سيرة ألهم العجائبية كانت عبر سرد ذاتي‬
     ‫ضمن قواعد التخييل ببراعة‪ ،‬وهذا بالضبط ما‬           ‫تولته الشخصية نفسها فيما بعد‪ ،‬لذا يمكن لنا‬

 ‫أحاطت به (الحديقة المحرمة)‪ ،‬والحديقة هي الحياة‬      ‫أن نجد في الرواية أكثر من مستوى روية واحدة‪،‬‬
 ‫بكل جمالها وتنوع خيراتها‪ ،‬فيما يكمن التحريم في‬       ‫وعليه سيكون من المناسب البحث في شكلين من‬
 ‫طريقة الإنسان لفهم تفاصيلها وقدرته على التسلط‬
                                                                                          ‫الخطاب‪:‬‬
     ‫والأنانية والسيطرة على الآخرين‪ ،‬كما فعل هذا‬                                  ‫الأول‪ :‬تيه فردي‪.‬‬
 ‫الكبير (سلطان) في قبيلة غير معروفة ومكان ليس‬                                    ‫الثاني‪ :‬تيه جمعي‪.‬‬

     ‫له وجود‪ ،‬فقد أقنع التابعين بأنه صاحب الحق‬     ‫الأول تيه الإنسان في البحث عن نفسه‬
     ‫الوحيد في امتلاك السيف‪ ،‬وأنه القادر على رفع‬
   ‫وتحمل وزر خطيئة الدم‪ ،‬ورؤيته عن الناس التي‬        ‫تدور الرواية حول تيه ألهم لسنوات أربع‪ ،‬يضيع‬
                                                   ‫في صحراء مترامية الأطراف ويعاشر فيها الوحوش‬
            ‫خضعت وعاشت تحت وصاية وهمية‪.‬‬            ‫والكائنات الأخرى‪ ،‬ليجد نفسه في لحظة ما في مكان‬
    ‫«ولكن كيف أقنعهم بأنه مختار وحده لرؤية‬
   ‫الدماء‪ ،‬أحيا ًنا أمسك نفسي وأغلق فمي حرف ًّيا‬       ‫مخفي يظن أنه مات وأنه داخل الجنة الموعودة‪،‬‬
   ‫بيدي حتى لا أصيح في وجهه‪ :‬يا أخي نجعنا‬          ‫يمارس (ألهم) كل فنون المراوغة التي عرفها للحياة‬
‫لوحده فيه عشرات الجزارين وهم لا يحكمون إلا‬
                                                     ‫في المكان الغريب‪ ،‬ثم يكتب تفاصيل هذا المكان مع‬
                                    ‫أبقارهم»(‪.)2‬‬    ‫مسافة كافية للشك بكل شيء‪ ،‬ليس ثمة أمان يتيح‬
 ‫تبدو شخصية (ألهم) هي من تمثل مثل هذا المسير‬       ‫له أن يوثق ما يرى ويسمع بارتياح الواثق العارف‪،‬‬
                                                     ‫إنها ملحمة من الشك والأسئلة والخوض في غمار‬
      ‫الفردي نحو الاكتشاف‪ ،‬ونقله في الرواية عبر‬      ‫الفضائل والرذائل يبدأ مع الرجل الذي أطلق عليه‬
‫الخطاطة أو الكتاب الذي كان يدون فيه يومياته‪ .‬إنه‬
‫(آدم) الذي جرب وتذوق عقوبة العصيان للمجتمع‪،‬‬            ‫اسم الكبير‪ ،‬وكانت بينهما لغة خاصة تقوم على‬
                                                                                ‫حوار وفهم صامت‪:‬‬
    ‫وتجربة لذة الشهوة المحرمة‪ ،‬وليلة حب وحيدة‬
            ‫أخرجته من مكانه مطرو ًدا أو مطار ًدا‪.‬‬                         ‫«يغمز لي بعينه اليسرى‬
                                                                     ‫وكانه يغيضني ويتحداني أن‬
     ‫التيه الجمعي‬                                                    ‫أجادله‪ ..‬كيف أجادله دون أن‬
                                                                     ‫أذكر كلمة الموت‪ ،‬التي منعني‬
‫وتمثله في هذا الرواية شخصية‬
      ‫ابنة مريم‪ ،‬وهي الأستاذة‬                                           ‫من التلفظ بها إذا كانت من‬
                                                                          ‫محرمات هذه الأرض»(‪.)1‬‬
   ‫الصحفية التي ستتولى سرد‬                                               ‫يواجه الإنسان نفسه بعي ًدا‬
   ‫تفاصيل حكاية ألهم في نجع‬                                               ‫عن كل ما يعرف في وضع‬
                                                                            ‫افتراضي فلسفي‪ ،‬يحمل‬
      ‫الزرايب‪ ،‬حكاية العلاقات‬
‫المحكومة بتخلف المجتمع بنهمه‬                                            ‫ذاكرة حية قادرة على الربط‪،‬‬
                                                                       ‫في هذه الجنة المفترضة يقدس‬
      ‫للظلم والاعتداء والتسلط‪،‬‬
    ‫بتمسكه بعلاقات فارغة من‬
 ‫المحتوى مثل علاقة ألهم بأخيه‬
   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124