Page 115 - merit 40 apr 2022
P. 115
113 إبداع ومبدعون
قصــة
-لا أعلم سيدي المعلم. أحدنا شيئًا.
-تعني «يزد الجديدة» مثل :نيويورك ،تعني «يورك -لكنها أرضنا ،أرض أجدادنا ،أما الآن أصبحنا
الجديدة» .مدينة يزد تبعد مئات الكيلومرات عن مجرد ع َّمال عندهم ،كل هذا بلمح البصر.
هنا ،كما مدينة «يورك» تبعد مئات الكيلومترات عن في الصباح ،استيقظ مناتي الباشخ على صوت أحد
نيويورك الحالية .التاريخ يتكرر بطرق مختلفة. أفراد القرية ،يناديه للحضور في مضيف الشيخ،
-إنهم ُغ ُرب ،لا نفهمهم ولا يفهموننا ،جاءوا من ذهب ليرى السبب الذي تطلب حضوره .شاهد
البعيد .أين تقع «نونوروك»؟ سيارة المخفر تبتعد قبل دخوله المضيف .وعندما
-صحيح ،جاءوا من البعيد .تقصد «نيويورك» إنها دخل ،وجد العيون شاخصة إليه بصم ٍت غري ٍب
بدأوا يتعودون عليه.
تقع في مكان بعيد ج ًّدا.
عندما عاود مناتي الباشخ الذهاب للمدينة ليبيع -أخبرتك أن ننتظر ،الحكمة تتطلب هذا .جاءت قبل
الطيور للمعلم ،لم يجده .أخبره ف َّراش المدرسة، قليل معلومات دقيقة من المخفر .اعتدى ابنك على
بيت أحد سكان تلك المنطقة وسرق من بستانهم.
عن نفي المعلمين العرب ،إلى أماكن بعيدة ،ولم
يحدث ،أن شاهد المعلم بعد تلك المرة .ينهشه -اعتدى ابني على بيتهم؟ عمره عشر سنوات فقط.
الشعور بالضياع ،بينما تتردد في ذهنه مئات ماذا سرق من البستان؟
الكلمات المتنافرة ،من كلمات فرهود والمعلم والشيخ
وزوجته ،وتقذف به في د َّوام ٍة لا تنفك تبتلعه إلى -سرق بطيخة .للعلم أنهم مستاؤون من الاعتداء
وليس من سرقة البطيخة ذاتها .أخبرني الشرطي
داخلها ببطء شديد ،لكن ،بألم. ت ًّوا ،والجمع كلهم شهود ،أن ذلك الرجل قال لهم
فيما الحياة ،استمرت في القرية والقرى المجاورة،
بأن ابنك لو طلب منه البطيخة لق َّدم له خمسة
بالرتابة ذاتها ،والذاكرة لا تحمل في طياتها إلا بد ًل من الواحدة .مع ذلك غض النظر عن الاعتداء
الشخصي من الأحداث ،بينما تختبئ الأحداث
الوجودية تحت طبقات من النسيان ،لأن المواضيع شريطة ألا يتكرر مرة أخرى.
التي يتوجس الإنسان من مناقشتها ،يهرب منها خرج من المضيف مخذو ًل ومهزو ًزا ،كان لسماع
التفكير إلى غيرها ،إضافة إلى غياب أداة تستوعب
اسم «السافاك» وقعه على القرية برمتها ،يكفي
التفكير بهذا الطارئ النهم. لترتعد فرائصهم ،عدا بعضهم الذين كان يشاهد
طال انتظار مناتي الباشخ من مجيء فرهود الذي
وعده عن طريق الشخص الذي جاء لهم بالدواء أن الغضب في عيونهم ،غير أنهم تائهون مثله ولا
يترقب زيارته ،وفي لحظات لا ينتظرها حينما كان يدرون ما ينبغي فعله .كانت تلك الدقائق اضطرته
يسرح بالجواميس على أطراف الهور ،ظهر أمامه أن يتذكر أحد معلمي المدارس ،الذي كان من أبناء
فرهود ُملثَّ ًما بكوفيته الحمراء على متن مشحوف المدينة ذاتها ،مدينة الحويزة ،وكان مناتي الباشخ
صغير. يبيعه الطيور في موسم الشتاء ،إذ يصطادها في
-فرهود ،تأخرت كثي ًرا ،كنت أترقب مجيئك قبل الأهوار.
هذا. -مناتي ،تعرف ماذا يسمون ما يحدث لنا؟
-كان هذا خارج إرادتي ،كما أن الوضع لا يبشر -نعم سيدي المعلم ،يسمونه سرقة الأراضي.
بخير. سينتقم الله منهم.
-كيف؟ أنت أخبرتني شيئا آخر. -لا يا مناتي ،هذا يسمى الاستعمار.
-هناك أنباء عن تقارب بين الشاه والنظام العراقي
بوساطة من الرئيس الجزائري هواري بومدين. -الاستعمار! ماذا يعني؟
-يعني يسلبون أرضك ،ويفرضون لغتهم عليك،
-ماذا يعني هذا بالنسبة لنا؟
-من ضمن شروط الشاه أن يسلمنا النظام ويجيئون بأنا ٍس آخرين ليحلوا مكانك ،كما
يهجرونك من مكانك.
-كل هذا يحدث لنا سيدي المعلم.
-هل تعلم ماذا تعني «يزد نو»؟