Page 11 - merit 40 apr 2022
P. 11

‫إبداع ومبدعون ‪9‬‬                                       ‫هنا يظهر ناصف اتفاقه مع الشيخ في أننا بحاجة‬
                         ‫رؤى نقدية‬                       ‫إلى ما يسمي «جسارة الروح» عند تعاملنا مع‬
                                                                 ‫الكلمات‪ ،‬وشحذ فكرة البلاغ والتعقل‬
      ‫والزراعة والملك والقوة والسياسة لا تستغنى‬                ‫الشخصي‪ ،‬والاتجاه إلى السلوك العملي‪،‬‬
   ‫عن العناية باللغة‪ ،‬فكل شيء يصب فى هذه اللغة‬                  ‫سعيًا إلى النجاة من فعل التطريب وما‬
   ‫ويستنبت منها»‪ ،‬فالصحة العقلية من وجهة نظر‬                      ‫يشبه الكهانة والانبهار غير المحدود‪،‬‬
 ‫الشيخ التى تلقاها ناصف عنه هى صحة الالتحام‬                       ‫فلا بد أن تكون هناك مسافة تمنحنا‬
‫وإدراك عمق الروابط بين العملى والروحي‪ ،‬والتمييز‬                                     ‫التفكير المستمر‪.‬‬
‫بين الخرافة والحقيقة‪ ،‬وإعادة الوصل بين التفسير‬                 ‫هنا يعبر الشيخ عن توجسه فى علاقتنا‬
                                                                     ‫باللغة العربية‪ ،‬وأنها لا تزال غير‬
       ‫والتغيير وخشية العثرات والنجاة من عبادة‬                    ‫واضحة‪ ،‬فحاول أن يوجه النداء تلو‬
  ‫الكلمات‪ ..‬كان سوء الحساسية اللغوية عند محمد‬                    ‫الآخر‪ ،‬نداء يحمل فكرة أننا ينبغي أن‬
 ‫عبده ضر ًبا من الوثنية غير المنظورة‪ ،‬أو ضر ًبا من‬              ‫نملك اللغة لا أن نعجز دونها‪ ،‬وينبغي‬
‫الذلة‪ ،‬لهذا كان الشيخ فى ملاحقة مستمرة لتأملات‬                    ‫أن نكتشف فيها ما لم ُيتح لأجدادنا‪،‬‬
                                                                  ‫لدرجة دعته إلى أن يربط بين الرغبة‬
                              ‫اللغويين المتقدمين‪.‬‬                    ‫والشوق فى الوصول إلى الحرية‪،‬‬
‫ومنها رفضه لفكرة الترادف‪ ،‬وأن تكون هناك كلمة‬                      ‫ونوع الحساسية اللغوية السائدة فى‬
                                                                  ‫كل عصر‪ ،‬فى إشارة منه إلى العلاقة‬
   ‫تتساوي فى المعنى مع غيرها بشكل تام‪ ،‬يرى فى‬
  ‫تلك النفوس التى تألف إلى ذلك ضر ًبا من الكسل‬         ‫بين المجتمع الإسلامى واللغة عبر العصور‪ ،‬وقد‬
                                                        ‫لخصها ناصف فى قوله «إننا أكثر صلة ببعض‬
                                 ‫وضعف الهمة‪.‬‬          ‫أطوار اللغة وأكثر تمشيًا مع اللهجات وأقل عناية‬
  ‫لم يكتف بذلك‪ ،‬فقد هاجم فكرة التنميق والتزويق‬         ‫بكثير من حياة اللغة الماضية‪ ،‬وأقل وعيًا بتسرب‬
                                                     ‫اللغة فى حياتنا الثقافية‪« :‬وأضاف ناصف فى تأ ٍّس‬
    ‫التى لحقت بالبلاغة زمنًا طوي ًل‪ ،‬وقد اتفق معه‬     ‫بال ٍغ أن نفوسنا تتعرض للضياع من خلال إهمال‬
    ‫ناصف فى هذا فى مجمل كتاباته‪ ،‬فقد رأى فيها‬
 ‫الإمام خط ًرا على روح الأمة وعلى الفرد لأنها فكرة‬        ‫بعض المستويات اللغوية‪ ،‬وأنه لا تناقض بين‬
                                                        ‫خدمة الحياة المعاصرة واستيعاب اللغة الماضية‬
                     ‫خارجية مضرة بروح اللغة‪.‬‬           ‫فى أعماقنا‪ ،‬وكيف يسهم هذا فى تكوين شخصية‬
                                                     ‫نامية متماسكة‪ ،‬وأن نهضة اللغة والأدب‪ ،‬ونهضة‬
                                                     ‫الثقافة والوجدان‪ ،‬تحتاج إلى إحياء تفسير القرآن‪،‬‬
                                                      ‫وأن العلاقة الأولى للنهضة الروحية قيام «تفسير‬
                                                    ‫ثا ٍن» ُيغنى العقول والقلوب‪ ،‬ويحبب إليها المعاناة فى‬

                                                                ‫سبيل كشف الحق والحرية والجمال»‪.‬‬
                                                        ‫لم يكتف ناصف بهذه العبارة ظل يلح على هذه‬
                                                    ‫الفكرة بأشكال مختلفة‪ ،‬إلى حد اعتبار إيجاد تفسير‬
                                                      ‫ملائم لعصرنا واجبًا قوميًّا وروحيًّا‪ ،‬قاص ًدا فعل‬

                                                          ‫الاستنهاض لا الركون إلى ما مضى‪« ،‬فمعنى‬
                                                    ‫الحديث عن روح الأمة هو تجديد الحساسية باللغة‪،‬‬

                                                      ‫هذا التجديد هو النزعة الإنسانية وهو البحث عن‬
                                                         ‫سيادة الإنسان‪ ،‬وكل عناية بالثروة والصناعة‬
   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16