Page 15 - merit 40 apr 2022
P. 15

‫‪13‬‬        ‫إبداع ومبدعون‬

          ‫رؤى نقدية‬

‫منى طلبة‬  ‫حسين نصار‬                                             ‫للتمسك الحرفي بنتاجه‪ ،‬فأسبقية أفكار عبد‬
                                                           ‫القاهر الجرجاني ‪-‬من منظور ناصف‪ -‬لا تعكس‬
 ‫فعندما يتفاعل مصطفى ناصف مع نصوص نقدية‬                 ‫بالضرورة تطاب ًقا مع النظريات الحديثة والمعاصرة‪،‬‬
    ‫ينطلق في تأويله من قراءة مزدوجة الهدف‪ ،‬فهو‬              ‫كما يرى بعض الباحثين‪ ،‬بل ُتمثل الفهم العربي‬
   ‫يقرأ النص النقدي‪ ،‬وفي الوقت نفسه ينجز قراءته‬
                                                              ‫للقضايا النقدية الخاصة بالنصوص الإبداعية‬
 ‫الخاصة للنص الأدبي المنقود‪ ،‬في محاولة لاستجلاء‬              ‫والدينية العربية في سياق الجرجاني التاريخي‪،‬‬
  ‫المعنى الخفي في نصوص القدماء‪ ،‬سال ًكا بالتأويل‬          ‫فناصف ُيؤكد على أنه لا يجب الانتقاص من أفكار‬
 ‫مسل ًكا وس ًطا إذ يتوسط طرفين متضادين‪ :‬التأويل‬             ‫عبد القاهر النقدي؛ لأنها لا تتجاوب مع النطرية‬
    ‫اللامتناهي والتأويل الحرفي‪ ،‬فينطلق من تغيرات‬         ‫الحديثة‪ ،‬فاجتهاداته خاضغة لسياق تاريخي خاص‬
   ‫التأويل الخاضع لإلزامات عصر المؤلف والسياق‬            ‫يحتكم فيه الجرجاني لفكرة الإعجاز القرآني‪ ،‬فنراه‬
 ‫الذي يعيش فيه‪ ،‬كما يحاول كشف طبيعة المؤثرات‬             ‫ُيؤكد على ضرورة ألا ُيثبت الشاعر أم ًرا «غير ثابت‬
       ‫الثقافية والاجتماعية والسياسية التي كونت‬         ‫أص ًل‪ ،‬ويدعي دعوى لا طريق إلى تحصيلها‪ ،‬ويقول‬
  ‫الحاضنة السياقية للمفاهيم النظرية النقدية‪ ،‬فمث ًل‬
  ‫عند دراسته لنتاج الشيخ عبد القاهر يهتم بتحديد‬                 ‫قو ًل يخدع فيه نفسه و ُيريها ما لا ترى»(‪.)3‬‬
                                                            ‫كذلك ليس معقو ًل من منظور أبو زيد ونحن في‬
‫طبيعة السياقات المضمرة الذاتية والنفسية والثقافية‬       ‫القرن الحادي والعشرين أن نتمسك بشروط وقواعد‬
‫التي جعلت عبد القاهر يتبنى منه ًجا نقد ًّيا معينًا دون‬   ‫القراءة العلمية التي وضعها أسلافنا تمس ًكا حرفيًّا‪،‬‬
                                                           ‫ونتجاهل تطور أدوات المعرفة في عصرنا هذا‪ ،‬إذا‬
                                         ‫سواه‪.‬‬           ‫كانت علوم اللغة والبلاغة وعلوم القرآن من العلوم‬
       ‫وعندما يتفاعل الدكتور مصطفى ناصف مع‬                ‫الأساسية التي جعل أسلا ُفنا الإلمام بها شر ًطا من‬
    ‫نصوص الشعراء‪ ،‬كان ُيثار لديه رد فعل مبدئي‬              ‫شروط التأهل للاجتهاد والقراءة العلمية المنتجة‪،‬‬
    ‫ُيطلق عليه رد فعل مندهش‪ ،‬ثم يتبعه بزمن ثا ٍن‬             ‫فهل معنى ذلك أن نتمسك بمستوى علوم اللغة‬
  ‫للتلقي يسعى من خلاله إلى تبرير ردة فعله الأولى‬          ‫والبلاغة في القرن الخامس أو السادس الهجريين‪،‬‬
     ‫وبلورتها‪ ،‬وذلك بأن ُيدخل للإبداع الذي يتلقاه‬            ‫وأن نتجاهل مستوى التقدم المُذهل الذي تحقق‬
  ‫معطيا ٍت جديد ًة‪ ،‬يتأمل في ضوئها استجابة النص‪،‬‬           ‫في مجال هذين العلمين! وألا نستفيد في المنجزات‬
                                                          ‫المتغيرة للعلم والمعرفة في قراءة النصوص اللغوية‬

                                                                                 ‫والخطابات الفكرية!»(‪.)4‬‬
                                                              ‫وإن اتفق ناصف ونصر في دوافعهما البحثية‪،‬‬
                                                          ‫ورفضهما القطيعة مع التراث ورفضهما في الوقت‬
                                                             ‫نفسه التسليم لسلطة التراث إلا أنهما اختلفا في‬
                                                              ‫منهج التأويل‪ ،‬فالتأويل عند ناصف لا ينطلق‬
                                                           ‫من المنهج الهرمنيوطيقي الغربي الحديث بأبعاده‬
                                                          ‫الفلسفية التي نراها عند نصر‪ ،‬لكنه تفسير لآليات‬
                                                               ‫عمل العقل العربي من خلال التحليل التأويلي‬
                                                          ‫للنصوص الأدبية‪ ،‬فالثقافة العربية كبنية لا تتضح‬
                                                        ‫معالمها لدى الدكتور ناصف إلا من خلال نصوصها‬
                                                            ‫الأدبية‪ .‬ومن الكلمات المفتاحية الدالة على ذلك في‬
                                                          ‫خطاب ناصف النقدي‪ ..‬استعماله كلمات من قبيل‪:‬‬
                                                              ‫القراءة الثانية‪ ،‬الفهم‪ ،‬المعنى‪ ،‬التفسير‪ ،‬النشاط‬

                                                                                  ‫اللغوي والنشاط العقلي‪.‬‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20