Page 19 - merit 40 apr 2022
P. 19

‫‪17‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫على درجة وضوح المعنى‪ ،‬فاكتسبت كلماته رمزية‬              ‫والعقائدية على اللغة العربية»(‪ .)12‬فهو يؤمن إيما ًنا‬
‫شعرية ُتخاطب الشاعرية الموجودة في أعماق المتلقى‪،‬‬              ‫عمي ًقا بالرسالة الاجتماعية للنقد‪ ،‬فالنقد الذي‬
                                                               ‫لا ينشغل بالمجتمع وقضاياه الحقيقية جدير‬
  ‫وهذا إن كان له ُبعد جمالي تأثيري إلا أنه لا يخلو‬
                                    ‫من غموض‪.‬‬               ‫بالخصومة عنده؛ لذا عاش مهمو ًما بدور الدرس‬
                                                            ‫النقدي للنصوص في تحديد أزمة العقل العربي‬
        ‫أخي ًرا تأتي تأويلية مصطفى ناصف ونصر‬           ‫وسبل خروج المجتمع العربي من براثنها‪ ،‬فالناقد من‬
    ‫أبو زيد استكما ًل لمسيرة أستاذهما الشيخ أمين‬       ‫منظور ناصف هو قارئ للنشاط العقلي للمجتمع من‬
‫الخولي‪ ،‬ومنهجه في قراءة التراث الذي ُيمثل تطوي ًرا‬        ‫خلال النص الأدبي أو النقدي الذي يقوم بقراءته‪.‬‬
‫لإرهاصات الإمام محمد عبده‪ ،‬ومنهجية الدكتور طه‬                 ‫هذا عن الجانب الاجتماعي في خطاب الدكتور‬
 ‫حسين‪ ،‬فناصف ونصر امتداد للشيخ أمين الخولي‬                 ‫ناصف النقدي‪ ،‬فإذا انتقلنا إلى النزعة الذاتية في‬
‫على مستوى طرح الأسئلة‪ ،‬وعلى مستوى الإجراءات‬              ‫خطابه فسنجد لغته ُتبهر وتمتع وتستميل المتلقى‪،‬‬
   ‫التحليلية‪ ،‬لكنه امتداد لا ُيعيد ولا ُيكرر‪ ،‬بل يحمل‬     ‫فكثي ًرا ما يستعمل ضمير الجماعة نحن‪ ،‬وضمير‬
                                                         ‫(نا) بما يجعل الكاتب يتماهي مع القارئ‪ ،‬فخطاب‬
      ‫السؤال إلى مدى أبعد‪ ،‬و ُيطور المنهج في شكل‬       ‫ناصف تعبير عن الجماعة ورغبتها ومشاعرها‪ ،‬ومن‬
‫إجراءات أعمق‪ ..‬وخير شاهد على ذلك أن ُتقارن بين‬           ‫أمثلة ذلك قوله‪« :‬اغتربنا عن النقد العربي أو بعض‬
‫ما أنجزه ناصف ونصر ودعوة الشيخ التي لخصها‬                 ‫فصوله؛ لأننا لم نستطع تقدير أهمية مصطلحات‬
‫تلميذه الدكتور حسين نصار بقوله‪« :‬دعا الشيخ إلى‬             ‫تبدو غريبة‪ ..‬إننا نريد أحيا ًنا أن نعيش في دائرة‬
                                                            ‫ضيقة»(‪ .)13‬وكثي ًرا ما تميل لغته إلى الشعرية في‬
  ‫التحرر من الرجعية الفنية التي تدين بأن كل خير‬          ‫رنين كلماته‪ ،‬وقصر جمله‪ ،‬فسطوره النثرية كثي ًرا‬
‫في الدنيا انقضى‪ ،‬وأن العصور الذهبية في كل شيء‬            ‫ما تميل إلى السطر الشعري في تقطعه وكثرة نقاط‬
                                                             ‫الوقف فيه»‪ .‬كذلك انعسكت تلك النزعة الذانية‬
   ‫قد فاتت‪ ..‬ودعا إلى الشعور بالثقة بأن في الثقافة‬
‫العلمية والفنية للعصر الحديث ما ينبغي أن ُيلتمس‪..‬‬
 ‫وضرورة تزويد ثقافتنا اللغوية والأدبية بما ينفعها‬

             ‫من دراسات فنية لها اليوم تقدمها(‪)14‬‬

                                                                       ‫الهوامش‪:‬‬

                                                                              ‫أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر‪.‬‬
  ‫‪ -1‬مصطفى ناصف‪ ،‬النقد العربي نحو نظرية ثانية‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،٢٥٥‬ط‪ .‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬

                                                                                      ‫والآداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ص‪.١٠١‬‬
                                                                                           ‫‪ -2‬السابق‪ ،‬ص‪.٣٩‬‬

    ‫‪ -3‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬أسرار البلاغة‪ ،‬تحقيق محمود شاكر‪ ،‬دار المدني‪ ،‬جدة‪ ،‬الطبعة الأولى‪١٤١٢ ،‬هـ‪١٩٩١ -‬م‪ ،‬ص‪.١٣٧‬‬
   ‫‪ -4‬نصر حامد أبو زيد‪ ،‬الخطاب والتأويل‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،٢٠٠٨ ،‬‬

                                                                                                    ‫ص‪.٢٤٦‬‬
‫‪ -5‬مصطفى ناصف‪ ،‬اللغة بين البلاغة والأسلوبية‪ ،‬ط‪ .‬النادي الأدبي الثقافي بجدة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة الأولى ‪،١٩٨٩‬‬

                                                                                                     ‫ص‪.١٢‬‬
‫‪ -6‬تيسوكاي كريمة‪ ،‬مقال الخطاب الواصف عند «مصطفى ناصف»‪ ،‬مجلة الخطاب‪ ،‬العدد رقم ‪ ،٩‬تاريخ الإصدار ‪ ١‬يونيو ‪،٢٠١١‬‬

                                                                                                    ‫ص‪.١٨٣‬‬
‫‪ -7‬إشكاليات القراءة وآليات التأويل‪ ،‬المركز الثقافي العري‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة التاسعة‪ ،٢٠١٢ ،‬ص‪.١٩٢‬‬

                                                                                           ‫‪ -8‬السابق‪ ،‬ص‪.١٤‬‬
                                                                    ‫‪ -9‬إشكاليات القراءة وآليات التأويل‪ ،‬ص‪.7 ،6‬‬
    ‫‪ -10‬مصطفى ناصف‪ ،‬محاورات مع النثر العربي‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكتاب رقم ‪ ،٢١٨‬ط‪ .‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬

                                                                                        ‫والآداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ص‪.٩‬‬
      ‫‪ -11‬منى طلبة‪ ،‬مصطفى ناصف حول المنهج والأسلوب‪ ،‬مجلة الإبداع‪ ،‬العدد ‪ ،١٠‬تاريخ الإصدار ‪ ١‬أكتوبر ‪ ،١٩٩٩‬ص‪.١٣١‬‬

                                                                       ‫‪ -12‬اللغة بين البلاغية والأسلوبية‪ ،‬ص‪.١٢‬‬
                                                                        ‫‪ -13‬النقد العربي نحو نظرية ثانية‪ ،‬ص‪.٩‬‬
                           ‫‪ -14‬ينظر‪ :‬حسين نصار‪ ،‬كتابه‪ :‬أمين الخولي‪ ،‬المجلس الأعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،١٩٩٦ ،‬ص‪.48 ،47‬‬
   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24