Page 18 - merit 40 apr 2022
P. 18

‫العـدد ‪40‬‬   ‫‪16‬‬

                                                     ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬

  ‫النص التراثي في سياقها التاريخي الثقافي الفكري‪،‬‬       ‫من جانب آخر تتجنب تأويلية نصر فصل الأفكار‬
  ‫والثانية‪ :‬محاولة الوصول إلى (المغزى)‪ ،‬فاكتشاف‬       ‫الجزئية عن سياق منظومتها الفكرية العامة‪ ،‬فتعدد‬

       ‫الدلالة والوصول إلى المغزى إحدى إشكاليات‬          ‫التراث بين اللغة والنقد والبلاغة والعلوم الدينية‬
 ‫القراءة‪ ،‬التي تحاول تأويلية نصر التغلب عليها»(‪.)9‬‬      ‫لا ينفى الوحدة في إطارها النظري العام‪ ،‬فلم يكن‬
  ‫كذلك تسعى تأويلية نصر إلى (تحرير التراث) أي‬          ‫سيبويه‪ ،‬مث ًل‪ ،‬وهو يضع البناء النظري‪ ،‬والقوانين‬
‫تحرير قراءة التراث من أي سلطة مسبقة للنص على‬             ‫الكلية للغة العربية‪ ،‬معزو ًل عن إنجازات الفقهاء‪،‬‬
                                                      ‫والقراء‪ ،‬والمحدثين‪ ،‬والمتكلمين‪ ،‬ولم يكن عبد القاهر‬
   ‫القارئ‪ ،‬فمبدأ تحكم النص أو بعبارة أصح تحكم‬
 ‫فه ٍم خاص لفئة معينة للنص يسجن العقل‪ ،‬ويسلب‬             ‫الجرجاني يتحدث عن المجاز‪ ،‬منفص ًل عن جدل‬
                                                     ‫المنشغلين بعلم الكلام‪ ،‬وأصول الفقه‪ .‬تنطلق تأويلية‬
     ‫الإنسان أبرز خصائصه التي ألح عليها القرآن‬       ‫نصر‪ ،‬في قراءة التراث‪ ،‬من التسليم بتعدد المستويات‬
           ‫الكريم في قوله تعالى «لعلهم يتفكرون»‪.‬‬
                                                         ‫الدلالية للنص‪ ،‬ومن تمييز بين المعنى الظاهر في‬
 ‫وعود إلى تأويلية الدكتور ناصف فسنجد أنه ُيركز‬       ‫النص‪ ،‬والمغزى الكامن فيه؛ لذا حث نصر القارئ على‬
  ‫في تحليله اللغوي للنصوص على الكشف عن البنية‬
                                                       ‫قاعدتين في قراءة التراث؛ «الأولى‪ :‬اكتشاف دلالات‬
   ‫الثقافية للمجتمع المنتج للنصوص‪ ،‬على حد قوله‪:‬‬
   ‫«لدينا الآن نشاط واضح في الاستفادة من بعض‬
 ‫المناهج المعاصرة في دراسة اللغة‪ ،‬لأمر ما بدا لي أن‬
 ‫اتجاه هذا النشاط يحتاج إلى تعديل‪ ،‬وبعبارة أخرى‬
 ‫حاولت أن أقترح طائفة من الأفكار زعمت أنها أكثر‬
  ‫قدرة على التعامل مع مطالب المجتمع»(‪ .)10‬وهذا ما‬
 ‫وصفته الناقدة الدكتورة منى طلبة بالهم الأساسي‬
‫في خطاب د‪.‬ناصف النقدي‪ ،‬فتقول‪« :‬لا تستطيع أب ًدا‬
 ‫عند التأمل لمجمل مؤلفات الدكتور ناصف أن تتنكر‬
    ‫لما يشغله من هم أساسي قد امتلك عليه ك ًّل من‬
  ‫حياته الشخصية ومؤلفاته العلمية على السواء‪ ،‬ألا‬
‫وهي أزمة العقل العربي والمجتمع العربي‪ ،‬والإصرار‬
   ‫على أن الدرس النقدي للنصوص لا بد وأن ُيسهم‬
‫في تحديد الأزمة والخروج منها‪ .‬فالناقد الأدبي وفق‬
  ‫منظور الدكتور ناصف مؤهل للقيام بدور أساسي‬
     ‫وخطير في الشهادة على النشاط العقلي للمجتمع‬
 ‫وتجاوز أزماته‪ ،‬فليس الناقد مجرد محلل لنصوص‬
‫أدبية‪ ،‬وإنما هو قارئ من خلال النص الأدبي النقدي‬
‫للنشاط العقلي للمجتمع الذي ُيعبر عنه هذا الأديب أو‬

                                  ‫ذاك الناقد»(‪.)11‬‬
   ‫فالتأويل عند مصطفى ناصف له بعدان اجتماعي‬

        ‫وذاتي‪ ،‬فالبعد الاجتماعي حاضر في قراءته‬
      ‫للنصوص الأدبية العربية‪ ،‬وفي قراءته للبلاغة‬
 ‫العربية مما جعله يخلص إلى كون البلاغة قد نشأت‬
  ‫ونمت كردود أفعال للحياة الاجتماعية والسياسية‬
     ‫والدينية‪ ،‬فيقول‪« :‬إن تاريخ البلاغة العربية هو‬

        ‫تاريخ انطباع الحياة السياسية والاجتماعية‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23