Page 14 - merit 40 apr 2022
P. 14
العـدد 40 12
أبريل ٢٠٢2
د.عبد الباسط سلامه هيكل
التأويل بين مصطفى ناصف
ونصر حامد أبو زيد
اتفق ناصف ونصر في دوافعهما البحثية ،ورفضهما القطيعة مع
التراث ورفضهما في الوقت نفسه التسليم لسلطة التراث إلا أنهما
اختلفا في منهج التأويل ،فالتأويل عند ناصف لا ينطلق من المنهج
الهرمنيوطيقي الغربي الحديث بأبعاده الفلسفية التي نراها عند نصر،
لكنه تفسير لآليات عمل العقل العربي من خلال التحليل التأويلي
للنصوص الأدبية ،فالثقافة العربية كبنية لا تتضح معالمها لدى
الدكتور ناصف إلا من خلال نصوصها الأدبية.
الإبداعية للفكر المعاصر ،مع اختلاف بينهما في لا تعدو كل قراءة للتراث عن كونها قراءة للذات
استدعاء نصوص الشيخ عبد القاهر الجرجاني،
فبينما اتخذ ناصف في مقتبل مشواره الفكري موق ًفا القارئة نفسها ،بما أن التراث منسوب إلى الذات
استنكار ًّيا من بعض القضايا التي تناولها الشيخ العربية ،وتبقى الإشكالية كيف نقرأ التراث بمنهج
الجرجاني بشكل تقليدي ،واصفا ط ْر َح الجرجاني ُيحرك فينا الوعي بالتراث وبالتالي بذواتنا العربية،
بالزعم ،ومن ذلك قول د.ناصف« :زعم عبد القاهر
أنه يحتفل بالتشبيه والتثنية والتكامل»( .)1وقوله: تلك الإشكالية شغلت الدكتور مصطفى ناصف
«بحث عبد القاهر عن نزوات هندسية وآثار عقلية والدكتور نصر حامد أبو زيد ،فالوقوف على أدوات
رياضية ميتافيزيقية وحنين غريب إلى الشكل أكثر نض ًجا للفهم هي الغاية الرئيسية من تبنى
العادي»(.)2 ناصف ونصر لمنهج التأويل في مقاربتهما للتراث،
سنجد نصر يستدعى الجرجاني في سياق تمرد فالمنهج هو الذي ُيحدد مسار البحث بين كونه
الجرجاني على المنهج التقليدي في عصره مشر ًعا تردي ًدا وكو ِنه تجدي ًدا ،فكلاهما عاش حياته البحثية
بذلك نصر لتمرده هو الآخر على القراءات التقليدية
والمنهجيات المنغلقة ،وكأنه يقول :إذا كان عبد القاهر منشغ ًل بإنجاز وعي علمي بالتراث ،والك ْشف
قد أفاد لا من جهود سابقيه فقط ،وعلى رأسهم عن ثقافة المجتمع صعو ًدا وانحدا ًرا من خلال لغة
القاضي عبد الجبار الأسد آبادي المعتزلي ،بل النصوص الأدبية والنقدية.
من إنجازات أرسطو اليوناني في كتابيه «الشعر» جمع ناصف ونصر انشغا ُلهما بمؤس ِسي ِة الشيخ
و»الخطابة» ،فإن واجبنا كباحثين معاصرين أن نفيد
من إنجازات المناهج الحديثة المعاصرة في :اللسانيات، عبد القاهر الجرجاني في الفكر البلاغي العربي
وعلم تحليل الخطاب ،والسميولوجيا ،والسرديات. وتأثي ِره فيمن بعده من البلاغيين ،فبنى ناصف
واحتفاء نصر وناصف بالجرجاني لم يكن دعوة ونصر على جهود القدامى التي بلغت ذروتها عند
الشيخ عبد القاهر الجرجاني ،غير أنهما لم يكونا
ممن فسر وشرح ولخص ،وإنما انطلقا من الشيخ
عبد القاهر إلى عوالم أرحب ،فاتخذ الموضو ُع البلاغي
عند ناصف ونصر بع ًدا جدي ًدا بما ُيناسب القدرات